الأحد، أغسطس 30، 2020

اللطم.. و«أكل العاشورة»


يوافق العاشر من المحرم -كما تعلم- ذكرى عاشوراء. وهى ذكرى احتفى بها النبى، صلى الله عليه وسلم، بالصيام. وقد شهد هذا اليوم من عام (61 هجرية) استشهاد الحسين بن على، على يد جنود يزيد بن معاوية (الخليفة الأموى)، حين أعملوا سيوفهم بلا رحمة فى حفيد النبى وآل بيته فانهمر الدم الشريف فوق تراب كربلاء.

لا أريد أن أتوقف بك عند التفاصيل التى وقعت يوم استشهاد «الحسين». ولا أمام الجدل الذى يثيره المنظرون حول مدى الوجاهة السياسية للخطوة التى قام بها «الحسين» حين خرج إلى العراق. وهل كان الأفضل له أن يمكث فى مكانه ولا ينابذ «يزيداً» الغالب على الأمة بالسيف.. أم يواجه الطغيان الأموى ولو كان فى ذلك حتفه. أريد التوقف أمام مسألة أخرى تتعلق بالمكايدة التى شهدها التاريخ بين الفريق المنحاز إلى «الحسين» والفريق الآخر المنحاز إلى «يزيد»، تلك المكايدة التى تلقى بظلالها على دنيا المسلمين حتى اللحظة الحالية.

بعد عدة عقود من استشهاد «الحسين» جاء الميلاد السياسى لفرقة «الشيعة» فى تاريخ المسلمين. وقد جاء ظهورها الأول عبر حفلات الندب واللطم وجرح الوجوه والأجسام حتى تسيل منها الدماء، حزناً على «الحسين» وعلى خذلان آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. الحزن على «الحسين» اقترن باللحظة التى استشهد فيها، لكن الحفلات الرسمية للبكاء عليه ظهرت فى عصر البويهيين. فالبويهيون أول من ابتدع فكرة النحيب والنوح والبكاء على خذلان «الحسين» يوم عاشوراء، وكانوا يأمرون يوم الاحتفال بهذه الذكرى بإغلاق الأسواق من الصباح إلى المساء، وأن تدور النساء حاسرات عن وجوههن ورؤوسهن يلطمن خدودهن. وكان أول من أمر بذلك عام 352 هـ -كما يشير ابن كثير- معز الدولة بن بويه.

فى مقابل ملمح اللطم والنحيب والنوح الذى يحيى به الشيعة يوم عاشوراء، اتجه الفريق الآخر «فريق السنة» إلى الاحتفال البهيج بهذا اليوم. الخطوة بدأت فى الشام حين لاحظ الأمويون حالة الحزن التى تنتاب الكثيرين يوم عاشوراء وهم يستذكرون المذبحة المروعة بحق أهل البيت. فما كان من الشوام إلا أن سنوا فى هذا اليوم سنة ذبح الطيور وطبخ الحبوب احتفالاً بذكرى عاشوراء. واللافت أن هذه العادة انتقلت من الشام إلى بعض الدول الإسلامية الأخرى، حتى وصلت إلى بر المحروسة، فأصبحت جزءاً من عادات المصريين فى الاحتفال بعاشوراء.

ذبح الطيور وطبخها والتوسعة على الأسر والبيوت عادة لدى الكثير من الأسر المصرية يوم عاشوراء. وكذلك طبخ الحبوب «القمح» فى الأكلة الشهيرة التى نطلق عليها «العاشورة». فمع مرور مئات السنين يتم نسيان أصل الأشياء، وتصبح العادة مجرد عادة، دون بحث أو تفتيش عن أصلها. ومؤكد أن كثيراً من المصريين لا يلتفتون إلى جانب المكايدة فى تلك العادة الموروثة. وكذلك الحال بالنسبة للأجيال المعاصرة من الشيعة التى تندمج فى حفلات اللطم والندب، دون أن تعى الكثير من التفاصيل المقترنة بحدث استشهاد «الحسين».

العادة غلابة.. وقانون العادة أقوى قوانين الحياة.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية