بهذا المعنى، يشرح مسؤولون عونيون أنّ "الهدف من جراء تأخير الاستشارات عدم منح الرئيس الذي سيتم تكليف، بغض النظر عن اسمه وانتمائه السياسي، مساحة والزمن والممطالة". لا يريد الرئيس عون لأي رئيس تكلّفه الكتل النيابية بـ"اللعب الحرّ" في الملف الحكومي. ويحسب العونيون، أنّ بفعلتهم هذه، يؤكدون على قوّة الرئيس، إلا أن هذه القوّة فعلياً تأتي في إطار مصادرة الدستور وموقع رئاسة الحكومة ودورها معاً. كما يغفل هؤلاء المستشارون والمسؤولون السياسيون في دوائر القصر الرئاسي، أنّ كل الضغوط باتت على الرئيس عون بصفته معرقلاً لتشكيل الحكومة. حتى أنّ سيرة عون السياسية، تحديداً في الشق المتعلّق بتشكيل الحكومات، تفضي إلى واقع العرقلة والتعطيل لتوزير صهر أو شخص حيناً وضمان ثلث معطّل حيناً آخر. لا يُحكى عن فراغ حكومي الآن، على اعتبار أنّ حكومة الرئيس حسان دياب تقوم بتصريف الأعمال وفق المواد الدستورية، لكن حتى الفراغ بات الظلّ الرديف للسياسية العونية. موقع رئاسة الجمهورية، بين أعوام 2007-2008 و2014-2016، يؤكد ذلك.
خطأ دستوري
يؤكد الخبير الدستوري، النائب السابق صلاح حنين، على أنّ الرئيس عون أغفل أولى مهامه في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، ويقول لـ"المدن" إنّ "الرئيس، هو رأس البلاد ورأس السلطة التنفيذية أيضاً، يقوم بخطأ دستوري واضح في تقديم التأليف على التكليف". يشير حنين إلى أنّه درجت العادة "أن لا يمرّ أيام وأسبوع كحدّ أقصى على استقالة الحكومة، للدعوة إلى الاستشارات"، واضعاً السياسة الحالية التي ينتهجها عون في إطار "شدّ الحبال فقط". وفي هذا الإطار، يشدد حنين على أنّ "شد الحبال السياسية في تشكيل الحكومات أمر مشروع، لكن الحاصل اليوم هو شد حبال على حساب الدستور والقانون وليس على حساب القوى السياسية". مع تأكيده أيضاً أنّ دور رئيس الجمهورية "يبقى أساسياً، إذ تبقى مبادرة التأليف بيده بالشراكة مع الرئيس المكلّف". بعدم احترام التسلسل الدستوري، "يصادر الرئيس عون دور البرلمان أولاً، ويضرب النظام والبنية الدستورية".
من دار الفتوى
وفي موقف حادّ، اليوم الاثنين، دعا النائب نهاد المشنوق من دار الفتوى اللبنانيين إلى "المشاركة في تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني، وذلك على الأسس العميقة والجديّة التي وضعها سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، وغبطة البطريرك بشارة الراعي"، معتبراً "أيّ كلام آخر هو تضييع الوقت في تسويات لم تؤدّ منذ 14 شباط 2005 إلى اليوم إلا إلى نتائج مثل تفجير مرفأ بيروت".
وأعلن المشنوق دعمه للنقاط الثلاثة التي طالب بها المفتي، مشدّداً على أنّها "قواعد أساسية لتوزان السلطات وللاستمرار بحياة ديموقراطية عادية"، ولخّصها بالتالي: "التحقيق الدولي في مجزرة المرفأ، وأن يدعو رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة، بدل التأليف قبل التكليف، والذهاب إلى تغيير جذري في السلطة للتعبير عن إرادة الشباب وكل الناس، من خلال انتخابات نيابية مبكرة بعد العمل على توفير شروط حريتها ونزاهتها وأوّلها قانون انتخاب ملائم".
وأكّد أنّ "التأليف قبل التكليف تجاوزٌ للميثاقية، وهذا أمر لا نقبل به. وهذه الافتعالات والأعراف تؤسس إلى مزيد من الشرخ. وليسمح لنا فخامة الرئيس وغير فخامة الرئيس، مجلس النواب هو يقرّر". وتابع: "صحيح أن لا نصّ دستورياً يلزم الرئيس أن يقوم بالاستشارات في وقت محدّد، لكن أيضاً لا نصّ دستورياً يسمح له أو لغيره بأن يشكّل حكومة أو أن يتحدث في تأليفها قبل تكليف رئيس الحكومة. هذه واجباته تجاه المجلس النيابي المنتخب من الشعب بصرف النظر عن رأي الشعب هذه الأيام بالطبقة السياسية. فرئيس الحكومة المكلّف هو الذي يشكل وهو الذي يزور رئيس الجمهورية ويبلغه بما توصل إليه".
وردّاً على سؤال حول "المطالبة بانعقاد اجتماع موسع في دار الفتوى برعاية مفتي الجمهورية وبحضور رؤساء الحكومات السابقين والنواب الحاليين وأعضاء المجلس الشرعي ومفتي المحافظات لوضع حد لهذه المسألة التي ينتهجها البعض لاختيار رئيس الحكومة وشكل الحكومة"، أجاب المشنوق: "تشاورت مع سماحة المفتي بهذا الموضوع وهو يقوم بجهد جدي بهذا الاتجاه سواء يأخذ هذا الشكل أو أكثر أو أقل. لكنّ سماحته لن يقبل ولا لحظة باستمرار هذه المهزلة وسيتحمل مسؤوليته بكونه زعيماً دينياً لأهل السنّة. وأعتقد أن هناك أشكالاً عديدة مطروحة لهذا الاجتماع وسماحته يقرر خلال 72 ساعة كحدّ أقصى ما الشكل الذي سيأخذه. ونتائجه معروفة. وهي الاعتراض على ما يحدث والإمساك بالقرار باعتبار رئيس الحكومة المكلف هو الذي يشكل الحكومة وليس أحد آخر".
وردّاً على سؤال دعا المشنوق إلى تسمية الدكتور نوّاف سلام
لرئاسة الحكومة، متوجّها إلى الرئيس سعد الحريري بأنّه "يجب أن يسمّي سلام
أيضاً، ليأتي شخص من خارج هذه الطبقة وليس لديه التزاماتها ولا ربط
نزاعاتها مع مجموعة محترفين جديين قادرين فعلياً على إعادة بناء البلد بشكل
أو بآخر، ويمكنه أن يتجاوز الكثير من العقبات التي عاشها الرئيس الحريري
وعشناها معه لسنوات طويلة".
رسالة أنور الخليل
في رسالة
موجّهة إلى رئيس الجمهورية، يقول النائب أنور الخليل إنّ "المادة 49 من
الدستور تنص على أن رئيس الجمهورية... يسهر على احترام الدستور. والفقرة
الثانية من المادة 53 تنص على أن يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف
بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه
رسمياً على نتائجها". وأكد خليل في رسالته على أنه "نرى في كل مرة تتعاطى
فخامتكم واجب التكليف يُسار إلى تأخير غير معقول"، مشيراً إلى أنّ الأوضاع
الاستثنائية الراهنة تفرض عدم الاستمهال. وعدد الخليل الإصلاحات المطلوبة
من قبل الدول المانحة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، مضيفاً "إسمح يا
فخامة الرئيس، للكتل النيابية أن تتحمل مسؤولياتها وذلك بالدعوة إلى
الاستشارات. وكل يوم يمضي وفخامتكم يتأخر بتعيين تاريخ الاستشارات النيابية
الملزمة هو نحر لقدرة الوطن على أن يتعافى". لا يمكن فهم رسالة الخليل على
أنها رسالة شخصية من نائب في البرلمان إلى رئيس الجمهورية، إذ تحمل
بطّياتها أيضاً موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري. فالأخير عبّر مقرّبون منه
عن استيائه من إدارة عون لعملية التكليف.
مواقف منتقدة
وتناول
العديد من النواب والمسؤولين تعطيل عون لعملية الاستشارات والتكليف، فغرّد
عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبد الله عبر حسابه على تويتر
قائلاً إنّ: "الاستحقاق الدستوري بتكليف رئيس حكومة جديد، يجب أن يمر وفق
الأصول، وليس عبر الأعراف المستحدثة، لأن اللحظة السياسية استثنائية،
اقتصادياً، ومالياً، واجتماعياً وصحياً. وعلى من يعنيهم الأمر، التوقف عن
المكابرة. المصلحة الوطنية، ومعاناة الناس، فوق كل اعتبار".
كما رأى أمين سر تكتل "الجمهورية القوية"، فادي كرم، "أن عملية تأليف الحكومة الجديدة ستكون طويلة ومعقدة لأن السلطة الحالية ترفض التخلي عن تسلطها وحصصها، وتسعى لعرقلة أي حكومة إنقاذية من مستقلين". وخلال لقاء إذاعي ورداً على سؤال أكد كرم أنّ "هدف القوات ليس إسقاط رئيس الجمهورية، ولكننا لم نر من هذه السلطة الحاكمة سوى الموت والقتل والخراب".
0 comments:
إرسال تعليق