الأربعاء، سبتمبر 07، 2011

طمأنة الشيعة

ربّما كان أفدح أخطاء 14 آذار أنّها لم تبذل الجهد المطلوب لمخاطبة الطائفة الشيعيّة. هذا ما استنكفت عنه منذ 2005، متذرّعة بصعوباته المؤكّدة ومستعيضة عنه بعدد من الحركات الفولكلوريّة كإبراز عدد من الرموز في الواجهات وعلى المنابر.

وبعض هؤلاء الرموز شجعان حقّاً، إلاّ أنّ تصديرهم من دون سياسة عامّة حيال الشيعة ضاعف قابليّتهم للاحتراق. فوق هذا، جاء التحالف الرباعيّ الشهير في انتخابات 2005 يحاصر الأصوات الشيعيّة المناوئة لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، بدل العمل على حضنها وإنمائها.

لقد كان مفروضاً بقادة 14 آذار وضع استراتيجيّة ومخاطبة لا تكلاّن في إغراء الشيعة بخيار وطنيّ جامع وفي إيضاح الخطورة التي يرتّبها عليهم، قبل غيرهم، الانخراط في المشروع الانتحاريّ الذي رعاه ويرعاه "حزب الله".

ويُستبعَد أن يكون الجهل السياسيّ وحده ما حال دون ذلك. فإلى هذا، عمل الطابع الطائفيّ لـ14 آذار، كامتداد لطائفيّة التركيب الاجتماعيّ اللبنانيّ، لجهة الربط بين أمرين غير مترابطين: من ناحية، رؤية الطوائف المؤتلفة في تلك الحركة للوطن وللدولة، ومن ناحية أخرى، الرؤية الوطنيّة والدولتيّة التي يُفترض أنّها عابرة للطوائف. ذاك أنّ كلّ واحد من قادة الطوائف كان مهجوساً بمخاطبة طائفته أكثر بكثير ممّا بمخاطبة المواطنين اللبنانيّين وتسويق مشروع وطنيّ بالتالي.

وحين يغلب المونولوغ الطائفيّ على هذا النحو، لا يعود مغرياً الالتفات إلى الطوائف الأخرى، سيّما إذا كانت هذه الأخيرة متموضعة سياسيًّا في موقع مضادّ للزعامة الوطنيّة المعنيّة.

هكذا يغدو التصعيد (الذي لا تمييز فيه) ضدّ جماعة أخرى شرطاً لـ"شدّ عصب" الجماعة الأولى.

الآن، جدّ عنصران ينبغي عقلانيًّا أن يقلبا المعادلة، وإن كانا، فعليًّا، لا يزالان يعملان في اتّجاه معاكس. فبسبب الانتفاضة السوريّة، كما بسبب القرار الظنّيّ، تنشأ فرصة لمخاطبة الطائفة الشيعيّة وطمأنتها ومحاولة فكّها عن المشروع الانتحاريّ القادر على أن يودي بها وبنا وبلبنان كلّه. وهي مخاطبة ينبغي أن تغري بالحياة المشتركة فيما تُظهر الأضرار المترتّبة على سلوك الطريق الآخر. وأهمّ ممّا عداه المواظبة المنهجيّة، ضدًّا على الموسميّة، والجدّية التي ترقى إلى إعادة تأسيس الوطن، بدل الفولكلوريّة المألوفة.

ولسوف يظهر من يقول بصعوبة هذه المهمّة، وهي فعلاً صعبة لأنّها مُطالَبة بتفكيك الخوف الراسخ وفي الوقت نفسه إقناع الشيعة بأنّ السلاح ضارّ بهم وبسواهم، وهذا فضلاً عن اصطدامها بمركّب يجمع بين العصبيّة والمصالح. لكنّ المؤكّد، في المقابل، أنّ لبنان دفع غالياً جدًّا ثمن إحجام الرئيس سليمان فرنجيّة عن التجاوب مع مطالب السيّد موسى الصدر، ثمّ دفع ثمن إحجام القوى المسلمة عن تأييد المطالب المسيحيّة في ما خصّ السلاح الفلسطينيّ للسبعينات، ثمّ تهميش التسعينات. وهذا ما ينبغي أن يغيّره اللبنانيّون إذا ما شاؤوا فعلاً أن يكون لهم وطن أكبر من قرية لاسا بدل أن تكون لهم طوائف، وأن يكون لهم مستقبل مشترك بدلاً من انتصارات صغيرة وسخيفة في حاضر عابر.

بقلم: حازم صاغية


0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية