الخميس، يوليو 26، 2012

حوار هادئ: فواز طرابلسي يرد على خطاب نصرالله في الموضوع السوري



 فواز طرابلسي


 لا يزال ثمة وقت وحاجة للتعليق على خطبة السيد حسن نصر الله في ذكرى حرب تموز. وسوف نقصر ملاحظاتنا على ما تعلّق مباشرة بالازمة السورية الدموية. حسنا فعل السيد بكشفه واقعة جديدة من وقائع الحرب عندما أبلغ عن ضرب الطيران الاسرائيلي منصّات ومخابئ صواريخ المقاومة من طراز فجر ٣ و٤ الايرانية في الدقائق الـ٣٤ الاولى من الغزو. لكنني اعترف بأني لم افهم تماما مغزى الكشف عن تلك الواقعة من حيث علاقتها بالدعم السوري للمقاومة في الحرب. أهو لإعلامنا بخدعة مارستها المقاومة على العدو وقد علمت بأنه كشف مواقع الصواريخ فضللت مخابراته بأن الصواريخ لا تزال في مكانها بينما عملت على نقلها الى مكان آخر؟ وفي هذه الحالة، ما دخل سوريا بالامر؟ ام ان قائد «حزب الله» يريدنا ان نعلم بأن قسماً كبيرا من تلك الصواريخ دُمّر فعلا واستعيض عنه بصواريخ سورية؟ وفي هذه الحالة، لماذا لا يقول ذلك صراحة؟ مهما يكن، فالمأمول ان تفعل الرواية فعلها على وجهين: القول بأن المقاومة خدعت الاسرائيليين وجاءتها في الوقت ذاته نجدة من صواريخ سورية لولاها لما كان النصر. ليصدّق من يريد التصديق. لا شك لدينا في الدعم العسكري السوري للمقاومة في هذه الحرب وسواها. والسؤال: هل هذا الدعم هبة لوجه الله وتضحية مجانية من القيادة السورية، وقائدها الفرد، تتحمل جراءها الويلات والمخاطر الجسام؟ ام انها ناتجة عن مصلحة سورية ولبنانية - وطنية وشعبية - مشتركة في مواجهة العدو الاسرائيلي؟ حيث الطرف اللبناني معني بسلاح حزب الله بما هو قوة دفاع وطني، بعد تحرير اراضيه المحتلة - بدعم سوري ايضا ـ العام ٢٠٠٠ (ما خلا مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا)، بينما النظام السوري معني بحزب الله بما هو قوة عسكرية غير نظامية على ارض لبنان تشكل تهديدا بالواسطة لدولة اسرائيل وتمكّن النظام السوري من الامساك بأمن الحدود الشمالية (اللبنانية السورية) لدولة اسرائيل وتعزّز من دور دمشق في التفاوض باسم سوريا ولبنان عندما تحين المفاوضات الثنائية مع اسرائيل. ولنسأل بصراحة: هل واهب الصواريخ السورية هو القيادة السورية في غفلة عن شعب اشتُريت تلك الصواريخ من لحم اكتافه وعرقه وكدحه وضرائبه، وتحمّل في سبيلها حكما عسكريا خلال عقود بموازناته العسكرية، وفساده وهدره وحرمانه حقوقه في العمل والخبز والحرية والكرامة قبل ان يسلّط قواته عليه، حين انتفض اخيرا، كأنما للتعويض عن دور مُنع الجيش من لعبه في مواجهة العدو الاسرائيلي منذ اربعة عقود من الزمن؟ تزايدت التعويذات بالمؤامرات المجهولة الفاعلين في خطاب «السيّد» اكثر من اي وقت مضى: الشرق الاوسط الكبير. المشروع الاميركي الاسرائيلي. الممانعة. المقاومة. وبمقدار ورودها كان ضعف في الحجة والاقناع. يقول ان هدف المؤامرة تفكيك الجيش السوري، مثلما فعل الاميركيون في الجيش العراقي. السؤال: ما الذي قام به النظام في سوريا لدرء مؤامرة التفكيك واحباطها؟ نصح ضباط كبار من صميم الحلقة الضيقة للنظام، الرئيس الاسد بعدم زج الجيش في وجه تحرّك شعبي مدني سلمي. زجّ الجيش وغيّر قائده صاحب النصيحة وانشق ناصح آخر. أُجبر مجندون وعسكريون على إطلاق النار على متظاهرين مدنيين سلميين، كأنه الواجب الاسمى لـ«جيش تشرين». أُجبر عسكريون على ممارسة الاعدام الميداني لمن يرفض اوامر اطلاق النار وأعقبه الاعدام الميداني للمنشقين او محاولي الانشقاق او المشبوهين بمحاولات الانشقاق. هذا قبل ان نصل الى الاعدام الميداني للمدنيين وتدمير القرى والبلدات والضواحي والاحياء السكنية فوق رؤوس سكانها وقصفها بالمروحيات، لنسأل: هل يصون اي نظام جيشه من التفكك بزج العسكري بقتل العسكري، والعسكر بقتل المدنيين؟ عسكر النظام رد على انتفاضة شعبية سلمية فأسهم في شق جيشه بنفسه في إصراره على «الحل الحربي» فاستولد عسكرة مقابلة للمعارضة. هل ساعد ذلك على الحفاظ على وحدة الجيش؟ غريب امرها هذه المؤامرة المبنية دائما على مجهول، والتي يعجز الممانعون دوما عن الانتصار عليها او حتى اتقائها. يقول السيد حسن «انهم» منعوا ويمنعون النظام السوري من تطبيق الديموقراطية والاصلاحات. بل منعوا المعارضة الوطنية من الحوار مع النظام. لسنا ندري من هي المعارضة الوطنية المعنية هنا، تلك التي فبركها النظام من علي حيدر وقدري جميل ام غيرها؟ لكن، لو كانت «المعارضة الوطنية» وطنية حقا، فما الذي يستطيع منعها من تلبية نداء الواجب الوطني والدخول في حوار مع السلطة؟ لن نطالب السيد حسن نصر الله بتقديم دليل واحد عن استعداد النظام للحوار الوطني، وهو الذي يمنح نفسه حق التمييز اصلا بين معارضة «وطنية» واخرى غير وطنية. هذا عن المعارضة. اما النظام فما الذي منعه من «تطبيق الديموقراطية والاصلاحات»؟ وهل منع حقا من تطبيق هذه وتلك؟ حقيقة الامر انه لو حاول احد منعه من التطبيق فالمؤكد انه كان فشل فشلا ذريعا بدليل كمية ما جرى «تطبيقه» من «الديموقراطية والاصلاحات» في الاشهر الاخيرة. اجرى النظام خلال تلك الفترة انتخابات بلدية ونيابية واستفتاء على الدستور واصدر قوانين للاحزاب والاعلام ولمكافحة الارهاب. وافتتح الرئيس مجلس الشعب بعد ان ثبّت عضوية اعضائه. وتشكّلت وزارة جديدة. واقسم الوزراء ورئيسهم القسم امام الرئيس. وعيّن الرئيس المحكمة الدستورية العليا. والنتيجة؟ كانت حصيلة تطبيق «الديموقراطية والاصلاحات» اعادة انتاج حكم عسكري امني فردي مافياوي يتربّع على رأسه حاكم فرد يتمتع في الدستور الجديد بصلاحيات دستورية مطلقة تفوق ما كان يتمتع به في الدستور السابق، وهو فوق ذلك كله معفي من اي مساءلة او محاسبة من اية هيئة او مرجعية. حتى لا يبدو اننا نبالغ في توصيف النظام السوري، نقترح المقارنة التالية: يؤيد الامين العام لـ«حزب الله»، وحزبه واجهزة إعلامه وجمهوره وحلفاؤه مجتمعين، حركة الاحتجاج السياسية السلمية في البحرين، وهي التي تستحق كل تأييد. وإذا وضعنا جانبا المشترك المذهبي بين الحزب وأكثرية المعارضة البحرينية، واكتفينا بالمشترك ببن اطراف المعارضة البحرينية، لوجدناها تطالب بملكية دستورية وبرلمانية في وجه نظام ملكي مطلق وضد تسلّط أسرة على السلطة والاقتصاد ومقدرات البلد، اضافة الى ممارستها انواع التمييز المختلفة بحق الاكثرية الشيعية فيه. ولعلنا متفقون مع الامين العام لحزب الله على ان نظاما كهذا حري به التغيير او السقوط. فلعله يتسنّى للسيد حسن ان يلقي نظرة على الدستور البحريني، فسوف يكتشف ان صلاحيات ملك البحرين المطلقة ليست تزيد في شيء عن صلاحيات رئيس الجمهورية السورية بشار الاسد وفق الدستور «الاصلاحي» الجديد! لا يمكن الا ان يستهجن المرء ان يترحّم الامين العام لحزب الله على أربعة قادة عسكريين وامنيين سوريين ولا يجد الكلام اللازم للترحّم على مئات الالوف من ضحاياهم. لكن هذا الاستهتار بحقوق الشعب السوري في «الديموقراطية والاصلاحات» كأنه الوجه الآخر لما يستوجبه انخراط الحزب في النظام السياسي اللبناني ودوره في «تثقيل» نظامه الطوائفي والمذهبي، وتغطيته على نظام من السرقة والنهب والفساد والاحتقار لأبسط حقوق المحرومين، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، ومشاركته في حكومة عاجزة حتى عن ان تمنع تفاقم ازمة الكهرباء في صيف لاهب. للاسف.

السفير

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية