يعتقد خبير في الشؤون الروسية والقوقاز وأوروبا الوسطى أن روسيا ـ وهي أكبر بلد يضم مسلمين في أوروبا، حيث يتواجد فيها أكثر من عشرين مليون مسلم ـ تخشى من انتشار التيار الإسلاموي داخل أراضيها ومن أن يطال الإرهاب منطقة سيبيريا الغنية بالنفط.
حرب ديانات في سيبيريا ... كارثية في روسيا
ويرى كزافييه لو توريفيليك (Xavier Le Torrivellec)، نائب مدير المركز الروسي الفرنسي بموسكو والباحث في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية، في مقال بصحيفة "لوموند" الفرنسية أن الموقف أصبح مصدر قلق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أن شهدت منطقة الـ'فولغا-الأورال'، التي يعيش بها خمسة ملايين مسلم سني هجمات إرهابية فى الآونة الأخيرة.
ويضيف الخبير -وهو باحث في مركز الدراسات الروسية والقوقاز وأوروبا الوسطى ومتخصص في تاريخ منطقة الفولغا-الأورال التي تكتسي أهمية قصوى بالنسبة لروسيا باعتبارها بوابة إقليم سيبيرياـ أنه "إذا ما انفتح هذا الباب فإن الخطر الإسلاموي سيطال سبيريا الغنية بالنفط".
ويُذكّر لو توريفيليك بفشل النظام السوفييتي السابق في القضاء على الإيمان الديني، مما أدى إلى إحياء الإسلام "التقليدي" في تسعينات القرن الماضي والذي "دخل في منافسة مع إسلام حضري أكثر تمسكا بالهوية وأكثر تطرفا في بعض الأحيان".
ويضيف الباحث أن افتتاح مسجد "كول الشريف" بجمهورية تتارستان، وهي أبرز جمهورية روسية ذات غالبية مسلمة، بجوار كنيسة أرثوذكسية في "كرملين كازان"، شكّل رمزا لتجدد الإسلام التتاري الأوروبي المتسامح.
وقد افتتح المسجد، الذي رعته السعودية، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في 24 يونيو/ حزيران 2005 وتم تصميمه ليكون واحدا من أبرز المعالم الإسلامية العمرانية في روسيا.
ويسترسل لو توريفيليك قائلا ان هذه الصورة تبددت في 19 يوليو/تموز 2012، عقب الهجوم الذي وقع في كازان واستهدف اثنين من الزعماء المسلمين المدافعين عن الإسلام التقليدي المُهَدَّد، بعد إصابة مفتي تتارستان إلدوس فايزوف بتفجير استهدف سيارته، فيما قتل نائبه فاليولا يعقبوف رميا بالرصاص أمام منزله.
ووقع الهجوم عشية حلول رمضان وتبنته جماعة مسلحة يرأسها مارات خليموف الذي يقدم نفسه على أنه "أمير المجاهدين في تتارستان"، مما يهدد استقرار المنطقة الغنية بالثروات البترولية.
ويلاحظ الباحث أن "تأثير السياق الجيوسياسي واضح مع تنامي قوة بعض دول الخليج وموقف روسيا المؤيدة لبشار الأسد وإيران، العدو الشيعي". ويرى أن عزلة المسلمين السنة في غرب سيبيريا وسط محيط روسي من شأنه أن يزيد من خطر التطرف الإسلامي.
ويضيف "إذا انهار الوضع فستتبعه أوضاع مناطق أخرى في الفولغا والأورال وسوف تكون نتائج حرب ديانات في حقول النفط السيبيرية كارثية داخل روسيا متعددة الأعراق".
لذلك يتمسك بوتين بالأسد
ويعتبر لو توريفيليك أن تمسك موسكو بحليفها بشار الأسد يعكس قلق روسيا من "أفغنة" سوريا في حرب استنزاف طويلة قد تؤدي إلى تحفيز الإسلاميين داخل روسيا وفي الجمهوريات الإسلامية التي تطوّقها. "ولهذا السبب، فإن موسكو تتهم الغربيين بتركهم القوى الخليجية السنية تسُلّح السلفيين ضمن المعارضة السورية، وفي مقابل ذلك تبتهج الدبلوماسية الروسية بالفشل الذريع الذي حصده الأوروبيون في ليبيا، بتشديد موقفها على الجبهة السورية، وبالتمسك بحليفها الأسد".
ويقول الباحث أن "الضعف الذي يعاني منه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصعيد الداخلي يدفعه إلى دغدغة مشاعر الكبرياء الوطنية من أجل رص الصفوف من حوله. كما أن النخب القومية الروسية لا تريد خيانة الحليف السوري، الذي يستفيد من المساعدات العسكرية الروسية منذ سنوات الخمسينات"، مضيفا بأن تلك النخب تريد الإبقاء على حضور روسيا في نطاق التطورات التي فتحتها الثورات العربية.
ويخلص الكاتب إلى القول بأن "إصرار روسيا فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عدم التدخل فى سوريا -التى تحظى بمساعدة عسكرية من موسكو منذ خمسينيات القرن الماضي- يعكس حرص موسكو على التواجد فى اللعبة الجديدة التى فتحت الثورات العربية أبوابها".
في موسكو: مليونا مسلم وأربعة مساجد
وعلى صلة بنفس الموضوع، تحدثت صحيفة لوفيغارو عن مُعاناة الجالية المسلمة في موسكو، التي تشكو من قلة المساجد، والتي قد تُؤدي إلى توتر العلاقة بين الطوائف.
وأشارت الصحيفة في مقال لمراسلها في موسكو، بيير أفريل، إلى أن مسلمي العاصمة الروسية، البالغ تعدادهم حوالي مليوني شخص، يعانون من ندرة دور العبادة وعدم قدرتها على استيعاب المصلين، وخصوصا في صلاة الجمعة، أو كما حصل بمناسبة صلاة عيد الأضحى، حيث اضطر عدد كبير من المصلين إلى أداء صلاتهم في الشارع، خارج باحات المساجد، ممّا تسبب في مضايقات للمارة.
وأكد مساعد رئيس مجلس الإفتاء بروسيا روشان خاسرت أبياسوف علىأن المساجد لم تعد تتسع للمصلين في موسكو التي لا يوجد فيها سوى أربعة مساجد صغيرة الحجم، مشددا على "ضرورة حل هذه المعضلة، من أجل تجنب توتر العلاقة بين مكونات المجتمع".
وأبرزت الصحيفة أن القسم الأكبر من المسلمين في موسكو هم مهاجرون ينحدرون في معظمهم من دول القوقاز وآسيا الوسطى، ويقيمون في العاصمة بصورة مؤقتة وغير قانونية في غالب الأحيان، حيث يشتغلون في مجال البناء.
وحذر مجلس الإفتاء الروسي قائلا "في غياب أماكن للعبادة تخضع لمراقبة رسمية، فقد يرتمي جزء من هؤلاء المهاجرين المسلمين في آخر المطاف في أحضان الإسلاميين المتطرفين.
"حمام الدم سيستمر"
وتزامن نشر هذه المقالات مع محادثات في باريس بين وزيري الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والروسي سيرغي لافروف، لم يتمكنا من خلالها من تجاوز خلافاتهما بشأن مشاركة الرئيس بشار الأسد في حكومة انتقالية محتملة في سوريا، مع تمسك كل منهما بموقفه.
قال فابيوس عقب المحادثات "لدينا اختلافات في وجهات النظر وهي معروفة"، مجدداً موقف بلاده حول ضرورة رحيل بشار الأسد.
وقال لافروف "الشعب السوري هو الذي سيقرر مصير الأسد (...) واذا اصر شركاؤنا على موقفهم المطالب برحيل هذا الزعيم الذي لا يحبونه فان حمام الدم سيستمر".
وأوقعت اعمال العنف في سوريا اكثر من 36 الف قتيل خلال حوالي 20 شهرا من النزاع.
0 comments:
إرسال تعليق