الثلاثاء، فبراير 11، 2020

هل رأى حسان الشارع من نافذة السراي؟

مررتُ بسياراتي في محيط مجلس النواب اللبناني خلال انعقاد الجلسة لإعطاء الثقة لحكومة حسان دياب، استنشقت قليلاً من الغاز المسيل للدموع... هالني المشهد، رأيت أنه مسيل للدموع فعلاً، لناحية الذي وصلنا إليه في السياسة، والتخبط الذي علقنا فيه. فعدا عن الجدران الإسمنتية التي أغلقت شوارع وسط بيروت المؤدية إلى مجلس النواب، وجعلتها منطقة أشباح، ميتة أكثر مما هي ميتة، رأيتُ الكمّ الهائل من العديد العسكري، بآلياتهم وعتادهم وهراواتهم وخراطيم مياههم، لمواجهة المتظاهرين والمحتجين على الحكومة والمجلس والنيابي و"العهد القوى"... هل نحن في حكومة احتلال حتى تحتاج هذا الكم من العسكر والجدران؟ أي معنى لحكومة تريد أخذ الثقة فيما هي معزولة عن الناس؟ أليس الأشرف للنواب وأركان السلطة، الاستقالة، بدلاً من هذه البهدلة؟ أي معنى للنيابة حين يتسلل النائب بسيارة عسكرية على وقع خراطيم المياه، والقنابل المسيلة للدموع؟ وأي معنى للنيابة حين ينفث أحد النواب أركيلة بحماية مئة عسكري؟ ربما دخل السياسيون في لبنان موسوعة "غينيس" الوقاحة والعهر...

قلت في قرارة نفسي، هل رأى حسان دياب مشهد الشارع؟ هل يعنيه هذا المشهد؟ هل تأمل من نافذة السراي ما ينتظره في الشارع وفي المستقبل؟ هل سمع الهتافات والصرخات واللعنات؟ هل قرأ شتائم الغرافيتي على الجدران؟ أم أنه ينجز ألبوم صوره الجديد، ويعتبره التحدي الأكبر في "حكومة مواجهة التحديات"؟ّ!

من دون شك المناصب لها غوايتها، وتدغدغ المشاعر والأحلام، لكن أي مناصب في هذا اللبنان الغارق في الوحول الإقليمية؟ أي مناصب في هذا البلد الغارق في مستنقعات الإفلاس والمديونية والنفايات المنتظرة والكهرباء المقطوعة والفقر؟ أي مناصب وتحت رعاية من؟ أي مناصب والحكومة تدار بخطاب من أمين عام "حزب الله"؟

لا أحسب أن حسان دياب يفكر في شيء غير ارضاء نرجسيته. تعابير وجهه توحي بالقلق لا الثقة، توحي بمزيد من المجهول... بمزيد من انفصال السلطة عن المجتمع والشارع... منذ قال عبارته الشهيرة "اعطوني فرصة"، وبدأ يلقي الخطب الإنشائية المدرسية، بدا أنه آت ليجرب حظه في هذه الحياة السياسة، يطمح إلى أبعد من منصب نائب رئيس الجامعة الأميركية... لم ينتبه أن كثيرين قد يحولونه كبش محرقة... "حزب الله"، الراعي الرسمي للحكومة، يقول نائبه محمد رعد: "الحكومة لا تشبه فريقنا السياسي، لكننا ارتضينا بها"، كأنه يتبرأ من الحكومة مسبقاً ويتوقع فشلها.
لكن حسان دياب، منذ جلس وحيداً ومكتفاً في جلسة التصويت على الموازنة العامة، ومنذ قبوله موازنة هي نتاج الحكومة السابقة، ومنذ وعد بحكومة اختصاصيين مستقلين وأتى بحكومة مستشارين وتابعين، معينين من أحزابهم وزعمائهم، بدا أنه ليس لديه ما يقدمه أو يفعله سوى أن يكون شاهداً على تعميق الأزمة... في سلوكه السياسي، وفي كلام المحيطين به أو المقربين منه، تصرف كما يتصرف رئيس وزراء معين في الأنظمة التوتاليتارية والشمولية التي تتعاطى مع رئيس الوزراء كموظف وباش كاتب، هو يفكر في ما يطلب منه وليس لديه أي شيء يفعله، ومنذ وصول وزرائه، ومن عباراتهم الأولى، قلنا "الله يسترنا من الآتي"...

مشهد اعطاء الثقة في ظل هذه المعمعة، فيه إهانة لتاريخ لبنان المعاصر، ولحياتنا اليومية، وللمجلس نفسه والحكومة ومن فيها. لكن، لا أحسب أن رئيساً مثل حسان دياب معني بما يحصل، هو كما "الاستيذ" الذي يصفق للمطران الذي يوبخ السلطة، وكما "بيّ الكل" الذي أرهق البلد والمجتمع حتى يصل إلى كرسي بعبدا.
إنهم عَبَدة السلطة...
محمد حجيري

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية