قد تكون صحيفة الكرملين الموقع الوحيد ، الذي تفرد بنشر نص موجز ، جعل فيه المانيا تحاكم سوريا بأسرها ، وليس ممثلي النظام ، حيث عنون النص بالقول "ألمانيا بدأت "محكمة نورنبرغ" لسوريا" . واستنكرت الصحيفة بشدة تشبيه "نيويورك تايمز" وسواها من الصحف الغربية محاكمات ألمانيا بمحكمة لاهاي الجنائية الدولية و"محكمة نورنبرغ" الشهيرة العام 1945، التي اختتمت الحرب العالمية الثانية بمحاكمة قادة ألمانيا النازية، وتنفيد حكم الإعدام بحق غالبيتهم. ويتميز الكرملين عن سواه من أطراف المحكمة ، بتفاخره ب"محكمة نورنبرغ" (يعتبر أنها أنشئت بمبادرة من وزير خارجية ستالين، مولوتوف) ، لأنها تشكل جزءاً مكوناً من النصر على النازية ، الذي يعتبره الكرملين أحد أبرز عناوين عقيدته القومية " patriotism" (حب الوطن) ، التي تعمل ماكينة البروباغندا الرسمية على التصوير للروس ، بأنهم يتميزون عن سائر الشعوب بفائض وطنيتهم . ولهذا أثارت مقارنة محاكمات ألمانيا الجارية ب"محكمة نورنبرغ" إستياء صحيفة الكرملين الشديد ، وأوردت عدداً من الحجج ، التي لا تجيز مثل هذه المقارنة .
توقعت الصحيفة أن تكون هذه المحاكمات ، هي الأهم بالنسبة للعدالة الغربية منذ مطلع القرن الحالي ، لكنها تستنكر مقارنة المتهمين السوريين بالرئيس اليوغوسلافي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش، وبالمسؤولين عن الإبادة الجماعية في رواندا ، ولا مانع لديها من مقارنة هذه المحاكمات محكمة لاهاي الجنائية الدولية ، لكن ليس ب"محكمة نورنبرغ" . وتنقل عن "دويتشه فيله" قولها ، بأن المحكمة تقع على بعد آلاف الكيلومترات من موقع الجريمة ، وسوف تقاضي أولئك ، الذين استخدموا التعذيب الذي لا يطاق بحق أشخاص ، بهدف واحد لا غير ، هو أن يبقى بشار الأسد في السلطة . وتنقل عن ستيفاني بوك ، مديرة المركز الدولي لدراسة وتوثيق جرائم الحرب في جامعة ماربورغ ، أقدم جامعة بروتستانتية في ألمانيا ، قولها بان الرسالة الرئاسية للمحاكمة، هي "القول لممثلي نظام الأسد، في سوريا وفي العالم أجمع : لا يسعكم البقاء آمنين. إذا كنتم تشاركون في خروق جدية لحقوق الإنسان، سوف يحدق بكم خطر دائم بجركم لاحقاً إلى تحمل مسؤولية أعمالكم" .
وبعد أن تعدد الصحيفة الأسباب ، التي تجعلها ترفض المقارنة بين المحكمة الألمانية الراهنة و"محكمة نورنبرغ" ، لا تجازف في نفي تهم ممارسة التعذيب والقتل والإغتصاب الموجهة إلى المتهمين ، وإلى نظام الأسد ككل . وتحصر مهمتها في الدفاع عن "محكمة نورنبرغ ، كعنوان أساسي من عناوين النصر على الفاشية ، الذي يخوض الكرملين حرباً ضروساً مع الغرب بتهمة محاولته "تشويه" تاريخ الحرب العالمية الثانية ، من خلال المساواة بين النازية والبلشفية في المسؤولية عن اندلاع تلك الحرب.
إن نأي الكرملين، بإعلامه ومسؤوليه، عن الحملتين المذكورتين على النظام السوري ، لا يعني تبرئته هذا النظام من وحشيته وفساده. ف"الطباخ" مع فضائح إعلامه لفساد النظام السوري ، هو طباخ الكرملين، والصحيفة "vz"، مع عدم مجازفتها بتبرئة النظام من وحشيته ، هي صحيفته . فلماذا ينأى الكرملين بنفسه عن هاتين الورطتين للنظام السوري ، وهو على قناعة ، بأن هذا النظام ، مع أصدقائه الإيرانيين ، وأصدقائه المتجددين من الإمارات العربية ، يصر على وضع العصي في دواليب العملية السلمية السورية ، والإصرار على مواصلة المقتلة السورية .
الكاتب السياسي الروسي الفلسطيني رامي الشاعر ، يرى في اسبوعية الفاشيين الروس "zavtra" ، أن الكرملين لم يشارك في حملة "الطباخ" ، لأنه لا يريد أن ينقلب في سوريا إلى مواقع الأميركيين في عدائهم للأسد ، فيخسر حينها كل ما أنجزه في الحرب السورية .
أما أحد الكتاب السياسيين في صحيفة القوميين الروس "sp" ، فله رأي مغاير تماما ، حيث يرى "أن الكرملين يخطط لإزاحة الأسد" ، لكنه يتساءل ما إذا كان بوسعه تغيير المشهد السياسي السوري ، "الذي يصبح غير مفيد" لمصالح موسكو . وبعد أن يسترسل الرجل في الحديث عن علاقات الأسد مع الإمارات العربية المتحدة ، وكيف تسعى الأخيرة لاستخدام الأسد أداة لإزاحة النفوذ السعودي والتركي من سوريا ، يقول بأن موسكو حريصة كل الحرص على العلاقات الجيدة مع تركيا ، ولن تسمح بإلحاق الضرر بها على مذبح مصالح الإمارات ، ولم تكن زيارة وزير الدفاع الأخيرة إلى دمشق ، إلا لإبلاغ الأسد بذلك .
ويرى الكاتب أن طموح الأسد للإفادة من علاقاته مع الإمارات للعب دور السياسي المستقل ، يهدد في ظروف سوريا الراهنة ، بوقوع كارثة تدمره هو نفسه ، وتدمر توسع روسيا الجيوسياسي في الشرق الأوسط . وحتى لو فكرت روسيا بإزاحة الأسد ، فمن المستبعد أن تتمكن من ذلك ، حتى عن طريق إنتخابات ما ، أو أي سيناريو ناعم آخر. فالعامل الأول الذي يحول دون ذلك ، هو عامل إيران ، التي ليست بحاجة الآن إلى أي آخر مكان الأسد ، الذي يمكن القول بكل ثقة ، أنه في السنوات الأخيرة من رئاسته ، هو مشروع إيراني كلياً . والعامل الثاني ، الذي يحول دون ذلك ، برأيه ، هو عدم وجود بديل له . فالرهان على سهيل الحسن ، أو عماد خميس ، هو رهان ساقط ، لأن الأول لن يكون رئيساً طيعاً ، كما الأسد ، وذلك لصعوبة مراسه بحكم نشأته العسكرية ، والثاني لا يتمتع بالإحترام الكافي لدى النخب السورية ، إضافة إلى أنه سني ، مشكوك بوجود علاقة له مع المعارضة ، والسنة لا يحبون روسيا ، كما العلويين أو الشيعة ، ولذا هو رهان ساقط أيضاً .
يستنتج الكاتب من كل ذلك ، أن لا بديل من الأسد ، الذي أصبح مجدداً سياسياً ذا نفوذ ، من المستبعد إستسلامه من دون معركة ، والمعركة ، بالنسبة لروسيا ، هي صنو الإنتحار .
0 comments:
إرسال تعليق