الخميس، مايو 07، 2020

الاسد- مخلوف:بين الحقيقة والشائعات..ما دور ماهر؟

ثلاثة مؤشرات سيطرت على رد فعل السوريين، موالين ومعارضين، تجاه الظهور الثاني لرامي مخلوف الأحد، فإلى جانب موجة السخرية التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، تدفقت الشائعات والأخبار لتختلط هذه المرة كما لم يحدث من قبل، وبالطبع، لم تكن نظرية المؤامرة لتغيب في مثل هذه المناسبة.

الشائعات
إذا كان الظهور الأول لابن خال رئيس النظام بشار الأسد، الجمعة، قد شكل صدمة للسوريين بشكل عام، وخاصة الموالين منهم، إذ أكد بهذا الظهور ما كان مجرد تسريبات، عن خلافات بين جناحي النظام السياسي-العسكري والاقتصادي، وأطلق العنان لموجة تحليلات ومحاولات استقراء وسعي لفهم الأسباب والدوافع التي أوصلت العلاقة بين الطرفين إلى نقطة التخاطب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ظهور مخلوف صباح الأحد، أكد وبشكل قاطع أن حرباً داخلية تدور بين آل مخلوف وآل الأسد.

وبما أن المعركة بين العائلتين "الغريمتين" تجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عجت هذه الوسائل على الفور بالمنشورات التي تسخر من رجل الأعمال الأول في سوريا، لكنها أيضاً ازدحمت بسيل من الشائعات التي لم تجد الكثير من مواقع المعارضة ووسائل إعلامها بداً من الانخراط فيها، حتى تجاوز الأمر عند البعض حد إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على رامي مخلوف نفسه، إلى حرب تدور رحاها في صلنفة على الساحل السوري بين اتباع مخلوف وقوات الأمن!

والواقع أن السلطات كانت قد أطلقت حملة اعتقالات طالت مقربين من رامي مخلوف وبعض كبار الموظفين لديه بالفعل، وهو ما أكده مخلوف بنفسه في الظهور الثاني، بل كان واضحاً أن هذا الموضوع كان أحد أسباب إطلالته.

تتحدث بعض مواقع المعارضة أيضاً عن اعتقال أجهزة أمن النظام إيهاب مخلوف شقيق رامي، لكن لا معطيات تدفع لتصديق هذا الخبر أيضاً، في وقت اتفقت مختلف المصادر على أن حملة الدهم والاعتقال شملت بالفعل منازل كل من سهيل صهيوني، مدير الموارد البشرية في شركة "سيريتل" المملوكة لمخلوف، وبشر مهنا، مدير العلاقات الحكومية، وبسام حتاملة (أردني الجنسية )، وهو المدير المالي العام في الشركة، بالإضافة إلى مديرين "كبار" في قسمي المحاسبة والمالية، بينهم محمد دوماني، ورضوان حداد، إضافة لمدير قسم الإعلام علاء سلمور.

المرصد السوري لحقوق الانسان الذي نفى بشكل قاطع أن يكون قد تم اعتقال رامي مخلوف، تحدث من جانبه عن منع الأجهزة الأمنية موظفي شركة "سيريتل" من دخول أبراج الاتصالات للأسبوع الثالث على التوالي، وهو ما يتفق مع اشارة رامي مخلوف عندما أبدى تذمره من إيكال مهمة إدارة اعمال الشركة لغير المختصين وتحذيره من تبعات ذلك.

وتحدثت المصادر عن استقالة وضاح عبد ربه، رئيس تحرير صحيفة "الوطن" المملوكة من قبل مخلوف، بعد أيام قليلة على تسريبات كشفت عن وضع المخابرات يدها على الصحيفة بشكل كامل، وسبق كل ذلك اعتقال مديرين وموظفين كبار في مؤسسة "راماك" و"جمعية البستان الخيرية، بالإضافة لكف يد آخرين والحجز على أموال عدد غير محدد من أزلام مخلوف.

من ينفذ؟
لكن أي أجهزة أمنية بالضبط تنفذ حملات الاعتقال والمنع وكف اليد هذه، وأي شخصية في النظام تتبع تحديداً، وهل يعود ولاء هذه الشخصية وما تتحكم به من أجهزة أمنية إلى روسيا أم إيران، وهل لهذا علاقة بصراع النفوذ الدائر بين الدولتين في سوريا، وهل هناك أصلاً صراع نفوذ بينهم؟

أسئلة كثيرة ومعقدة لم يتردد الكثيرون من السوريين، وخاصة العاملين في حقلي السياسة والإعلام، عن محاولة إيجاد أجوبة لها؟ أغلب هذه المحاولات كان عبثياً، بينما أسّس القليلون محاولاتهم على معطيات تحمل من الصلابة ما يمكن الاعتماد عليه.

وإذا كان السائد، أو حتى المسيطر على التقديرات منذ أسابيع، إن لم نقل منذ أشهر، أن من يقود هذه الحملة على امبراطورية رامي مخلوف الاقتصادية، هي زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، التي تشرف بنفسها على أعمال "لجنة مكافحة غسيل الأموال" التي تم اطلاقها منتصف العام الماضي، فإن الحديث عن سيطرة زوجة الرئيس على أجهزة أمن ومؤسسات محاسبة، وقيادتها حملة بهذا المستوى ضد ركن النظام الاقتصادي الأول وحقيبة آل الأسد المالية، ليس سوى "هذيان" عند البعض، ممن يؤكد أن أسماء الأسد أضعف بكثير من أن تقود المهمة، بشقها الأمني.

يتفق هؤلاء، وبينهم مطلعون أو منشقون كبار عن النظام، أن الصراع الحقيقي يدور بين ماهر الأسد ورامي مخلوف، لكنهم بالمقابل يختلفون حول أسباب هذا الصراع ودوافعه. فقسم منهم يؤكد أن الخلاف مالي بحت، يتعلق بتقاسم عائدات الأعمال التي يشرف عليها رامي مخلوف كواجهة وشريك لآل الأسد، بينما يذهب فريق آخر أبعد من ذلك بقليل، ليؤكد أن بشار وشقيقه ماهر باتوا قلقين من تنامي نفوذ رامي مخلوف داخل النظام والطائفة العلوية، هذا التنامي الذي حصل على مدار أعوام الحرب، حيث فعلت الأموال التي قدمها كمساعدات فعلها، ما اقتضى وضع حد للدور الذي تجاوز المسموح به.

فريق ثالث ذهب في مقاربته هذا الصراع أبعد من ذلك، ليس بالأمس فقط، بل ومنذ أشهر كما هو معلوم، وأكد أن الصراع الحقيقي هو بين روسيا وإيران، الدولتين اللتين تدخلتا لإنقاذ النظام تباعاً، وتمكنتا من بناء نفوذ ضارب داخل السلطة، وصناعة مراكز قوى تابعة لكل منهما، وقد دخلتا الآن مرحلة السباق العلني والمحموم للإطباق على ما تبقى من هذا النظام ومن الدولة ذاتها.

يؤكد ذلك تنافس واضح بين موسكو وطهران لم يعد بالامكان إخفاؤه على كل حال، لكن حتى الآن تبدو خيوط هذا التنافس أو الصراع متشابكة، إذ لم تتضح تماماً تبعية الشخصيات والأجهزة والمؤسسات النافذة في النظام إلى هذه الدولة أو تلك رغم كل ما يقال عن ذلك.

نظرية المؤامرة
ولأن الصورة ليست واضحة تماماً، سواء عند المعارضة أو الموالاة، فقد كان لا بد لنظرية المؤامرة لدى الطرفين أن تحضر، والمؤامرة بالنسبة للموالاة، خاصة الطائفة العلوية، كما بدا من تعليقات الكثيرين على التطورات الأخيرة، تبدو متماسكة في قالب واحد، وهو أن أعداء النظام السياسيين، وأعداء الطائفة التاريخيين، هم الذين يقفون خلف هذه (الأزمة) التي يجب أن يتم وضع حد لها بأي شكل وبأي طريقة ومهما كان الثمن (للحفاظ على النظام والطائفة)، بينما تتشعب النظرية بالنسبة للمعارضة، جرياً على العادة، وتتفرق سبلها.

بالنسبة البعض، فإن كل ما يجري لا يعدو أن يكون مسرحية يقف خلفها النظام ذاته، والهدف منها إنقاذ صورة بشار الأسد وإعادة انتاجه مجدداً (كرئيس شريف مكافح للفساد ونصير للفقراء، يتحرك للضرب على يد تجار الحرب وناهبي الدولة والمواطن)، خاصة بعد أن بلغ الفساد والفقر في سوريا حدوداً أخرجت حتى أكثر السوريين موالاة عن صمتهم، وجعلت حتى أكثر الفئات خوفاً يتململون ويخرجون عن صمتهم.

لكن آخرين لا يمكن بالنسبة لهم أن يلقي النظام أدنى اعتبار لمعاناة الشعب أو يقلقه تذمر الموالين، فإن هذه المسرحية لا تعدو أن يكون هدفها إعادة انتاج منظومة اقتصادية جديدة أكثر انتماءً وولاءً وتبعية للأسد، بعد أن تضخمت منظومة آل مخلوف أو استهلكت نفسها وباتت عبئاً على النظام والأسد، بدليل الصعود المتنامي خلال السنوات الماضية لمجموعة من رجال الأعمال الجدد الذين تم منحهم امتيازات وشراكات واسعة لإدارة أموال وأعمال الأسرة الحاكمة، بينهم أفراد من عائلة أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد.

إلا أن نظرية، أو نظريات المؤامرة تلك، لا تبدو كافية لتحليل الأزمة التي بدأت تعصف ببنية النظام، مهما كان عمق هذه الأزمة أو خطر النتائج المترتبة عليها، وعليه تبقى كل الاحتمالات واردة بالنسبة لمآلات هذه الأزمة/الصراع التي لا يمكن إلا أن ينتج عنها أمر خطير بالنسبة للنظام حتماً، وهو ما يتفق عليه جميع المختلفين في تحليلاتهم للأسباب والدوافع.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية