الجمعة، يونيو 12، 2020

هل صدرت الأوامر بإسقاط حسّان دياب؟

حتّى ساعة متأخرة من مساء يوم أمس كانت الرسائل السلبية تَرد إلى بيروت، فما أقدمت عليه الحكومة في جلستها المنعقدة اول امس الأربعاء في ما له صلة بالتعيينات المالية حصراً فاق كل التوقعات بعدما كانت تجمع على حفظ الموجودات الاميركية داخل مصرف لبنان.

بالمختصر المفيد، أتت التعيينات المالية بما لا تشتهيه السفن الأميركية. فـ"محمد البعاصيري" الذي كانت السفيرة الأميركية دورثي شيا قد زكّت حضوره في المصرف أثناء آخر إجتماع عُقد مع رئيس الحكومة أو بالاحرى طلبته من حسان دياب، طارَ من لوائح المرشحين مقابل إسقاط أسماء اخرى "أقل استفزازاً" للشركاء داخل الحكومة، تكفل حسان دياب بتصريف الحل على قاعدة "تسويق الاسم عند الأميركيين".
 وهكذا، مضى حسان دياب في التعيين آتياً بمقرب منه يحمل الجنسية الاميركية ويعمل كأستاذ أكاديمي في الجامعة الاميركية في بيروت ظناً منه أنه بمثابة حل "رضائي" لا يثير الاميركيين ولا يزعجهم بل يتسنى لهم فتح الخطوط معه، متجاهلاً كل النصائح بعدم "إستفزاز الأميركيين"، اي النصائح التي صدرت عن وزراء محسوبين عليه داخل الحكومة، نشطوا قبل ساعات من بتّ أمر التعيينات في تسويق "وجهة النظر الاميركية" القائمة على مراعاة التعاون في "مسائل العقوبات ومراقبة الأصول"، اي الوظيفة التي يقوم على رأسها محلياً البعاصيري.

على الأرجح لم يكن حسان دياب في وارد "إزعاج الأميركيين" بدليل أنه عمل طوال ساعات على تفهم وجهة نظرهم، لكن خشيته على الحكومة أدت به أو دفعته نحو السير بخلاف الرغبات الاميركية، ظناً منه أن اختياره لاسم آخر "مقبول أميركياً" قد يؤدي دور إقناعهم، ويسهم تالياً في سحب فتائل التفجير من الحكومة بعد أن وصلته رسائل مصدرها الشركاء ترفض أي محاولة لإعادة تعيين البعاصيري "مهم كان الثمن".

في الحقيقة، قاس الاميركيون فعلة دياب بعكس ما يشتهي. على الأرجح، هالهم تجاهله لمطالبهم مقابل تفهمه لمصالح حزب الله وحلفائه سيما أن الحزب خاضَ معركة عدم التجديد للبعاصيري ووضعه بمثابة هدف له فنجح. في النتيجة يبدو أن تصرف حسان دياب لم يرق للأميركيين أو ودائعهم بدليل صدور الايعاز المحلي بـ "تفليت سعر صرف الدولار" من عقله كرد فعل طبيعي، من دون مراعاة أي سقوف وكأن ثمة من أعطى إشارة بذلك.

سريعاً، تحرّكت "آلة الدولار" يوم أمس على أكثر من جبهة. في البقاع، ومن حيث لا يحتسب أحد، قفز سعر صرف الدولار ظهراً من سعر تداول تراوح بين 4700 و 4800 ليرة إلى حدود لامست الـ 6000 ليرة، قبل أن يرتفع بشكل عجيب عصراً ليصل عتبة الـ 7000 ليرة.

وإذا كانت حركة الدولار بقاعاً مفهومة نسبة لارتباطها بوضعية القرب من سوريا، فماذا يعني أن يناهز الدولار في بيروت خلال تداولات فترة بعد الظهر حدود الـ 6000 ل.ل لدى السوق السوداء رغم أن التداول صباحاً كان بحدود الـ 4600 ليرة؟ 
رغم ذلك، سوّق مصرف لبنان لرواية أخرى. ألمحَ إلى ضلوع جهات إعلامية "لم يسمها" في ترويج "سعر مزيف للدولار"، وكانه كان يقول أن التلاعب بالسعر مجرّد حديث إعلامي ولا أسس واقعية له. في حال صح ذلك، يأخذنا هذا الكلام إلى مكان آخر، إلى مكان حيث تتوافر مصالح ذات علاقة بتأليب الشارع على الحكومة ربما، أي أن ثمة جهة تراهن على إلحاق الضرر بحسان دياب في الشارع بإستغلال سعر صرف الدولار. هنا يُطرح السؤال التالي: من هي الجهة التي تمتلك القدرة على قلب سعر الصرف إلى حدود ناهزت الـ 2000 ليرة خلال ساعات قليلة؟ وما هو التفسير العلمي لهذا الارتفاع؟ ما هو دور مصرف لبنان؟

الجواب على ذلك يأتي في السياسة. من الواضح، ان عوامل التأثير على الدولار لم تعد منحصرة في تقلبات السوق والحاجة الماسّة إلى العملة الخضراء في ظل ندرتها نتيجة التقنين الممارس من قبل مصرف لبنان. للأمر صلة أيضاً ببرنامج العقوبات وتأثيرها على السوق اللبناني. هنا، لا يُمكن إغفال تسريب خبر صدور توصيات عن الحزب الجمهوري لتوسيع العقوبات على حزب الله على أن تشمل حلفاء له عن التأثيرات السلبية التي اجتاحت سوق الدولار يوم أمس.

هذا لا يعني أن العوامل الاخرى، ومنها الاعلامي، معزولة التأثير على الدولار. في الحقيقة، تلعب بعض وسائل الاعلام والمنصات الالكترونية دوراً مزعزعاً للثقة بالليرة. يحصل ذلك على مرأى من الجميع، ، وإلى حدٍ ما، يُعد بمثابة المحرّك للشارع الذي انفجرَ ليلاً على وقع "هيجان" الدولار في ظل التقديرات أن "لعبة الدولار" آخذة في التمدّد أكثر كلما إحتاج الأمر السياسي إلى ذلك.
من الواضح أن ثمّة فريق داخلي يتفاعل مع مسارات العقوبات الاميركية، فكلما سربت بنود حول مسودة جديدة قفز سعر الدولار الى سقوف جديدة! حتى ان الدولار اجتازَ كل التوقعات أمس ليصبح متفلتاً من أي ضوابط أو تقديرات. شيء من هذا القبيل سيكون له مردود سلبي على الحكومة اولاً، وعلى اتفاق الصيارفة - مصرف لبنان ثانياً الذي بات بحكم الساقط شرعاً.

أمس، ضاعت الحكومة أمام حالة الانهيار المتسارع لليرة وظهر عليها الارباك في تقدير الظروف.المسألة باتت تتجاوز تهديد وضعية حسان دياب داخل الحكومة، أصبح التهديد يطال السوق المالي اللبناني بالانفجار وهو الرازح اليوم تحت "خطوط الاستنزاف" التي زادت من عوامل القلق بفعل التقلبات الصاخبة لليرة. أمر من هذا القبيل له مردود يكفي ليس فقط لتفكيك الحكومة بل لإنهيار البلد!

ما جرى ليلاً من توجيه رسائل عبر إستخدام لغة النار والدواليب المشتعلة له وظيفة واحدة، إظهار حكومة حسان دياب بموقع الفشل ربطاً بخروج سعر صرف الدولار من عقله، وبالتالي دفعه نحو الاستقالة بذريعة "فشله في تحقيق أي إنجاز". هنا يكمن السؤال: هل أن التحولات التي يشهدها الشارع مرتبطة بتوافر نوايا حول إزهاق روح الحكومة بفعل تقاطع داخلي دولي أم ان المسألة لا تتعدى توجيه الرسائل فقط؟
 

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية