مارتن لوثر كينج داعية الحقوق المدنية الأميركي
في مقال سابق لي تحت عنوان "الليرة السورية والريال الإيراني.. تناغم الخراب"، تناولت فيه تشابه "البؤس" الاقتصادي بين نظامين يحكمان هذين البلدين. واحد لا شرعية له، يقتل شعبه، ولن أستغرب أن يطلب الحماية الدولية له من هذا الشعب. وآخر شبه شرعي، مؤمن بتطرف بتسويق خارجي لثورة مهشمة منذ انطلاقها قبل أكثر من ثلاثة عقود، رغم أنه يواجه مصاعب لا حدود لها في تسويقها وترويجها محلياً! فلا عجب أن يتماهى النظامان في كل شيء، خصوصاً عندما تتحول العلاقة التاريخية بينهما، من تحالف مشين، إلى التحام مريع، تبدو الأخلاق معه سرطاناً ينبغي استئصاله، وعدواً يجب محقه.
لا تحتاج العلاقة التلاحمية بين نظامي بشار الأسد وأحمدي نجاد، إلى أدوات لتطويرها. فهي تتطور تلقائياً، مع التزام هذين النظامين بسياسات الخارجين عن القانون، وبمبادئ قُطاع الطرق. ولأن الأسد لم يعد لديه ما يقدمه لنجاد، لأنه (أي الأسد) يعيش أيامه الأخيرة في حكم اغتصبه أصلاً. فـ "المصانع" الإيرانية المنتجة للمرتزقة (بما في ذلك فرعها اللبناني برئاسة حسن نصرالله)، وآليات القتل الإيرانية المجربة أساساً على الشعب الإيراني، والأموال المسروقة من هذا الشعب، حاضرة دائماً، لنجدة نظام لا يزال في النهاية (ومهما كان ضعيفاً) يوفر موطئ قدم لإيران في قلب العالم العربي. ولأن الأمر مصيري بالنسبة لإيران في عالم عربي لم يتوقف عن فتح ذراعيه للتفاهم والتحاور معها، فإن الحكومة العراقية-الإيرانية، حاضرة لتلبية نداء الأسد المتداعي نظاماً وأركاناً. المهم أن تظل الدائرة الإيرانية-العراقية- السورية- اللبنانية، ضمن خط واحد لا متقطع.
ومع تزايد حدة الحصار الاقتصادي الغربي (وربما العربي في وقت لاحق)، على نظامي طهران ودمشق، كان لابد من أفكار جديدة، تقلل من آثار هذا الحصار، الذي أوصل اقتصادا البلدين إلى ما دون الحراك، وما قبل الانهيار. أوصلهما إلى حالة، يتمنى أي نظام في هذا العالم، أن يتوقف تداول الليل والنهار. ففي كل تداول طبيعي كهذا، تتكون مصيبة اقتصادية. فلا غرابة إذن.. من أن تتفتق أذهان الفريقين إلى تأسيس شركة إيرانية- سورية مشتركة، لترويج وتصدير البضائع السورية إلى إيران، وبالعكس! ولن يكون غريباً أيضاً، أن "تبتكر" السلطتين في البلدين طرقاً جديدة، لتحريك اقتصاديهما. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تحقق هذا الطرق البائسة أهدافها؟ وما هو الجديد في الأمر؟ ببساطة إنها محاولة يائسة لتحريك السوقين الإيراني والسوري. أما لماذا يائسة؟ فلأن كلا السوقين تعانيان من شح في العملات الصعبة، ومن تراجع لا يتوقف لقيمة العملتين الوطنيتين فيهما، ولأن الإنتاج السوري لا يختلف كثيراً عن طبيعته في إيران، بمعنى آخر، ما يوجد هنا، يوجد هناك. وعلى هذا الأساس، فإن المشروع "المبتكر"، لا يعدو عن كونه فقاعة إعلامية، ولإثبات ما هو مثبت أصلاً، بتلاحم العلاقة بين النظامين. والمثير للسخرية، أن من صلب المشروع الترويجي المتبادل، إقامة معارض تجارية سورية في إيران، وإيرانية في سورية، ولأن العلاقات بين الطرفين لا تحتاج لهذا النوع من المعارض، فالطرفان سيتحملان تكاليف إقامتها، دون عائد يذكر.
إيران اليوم التي تعيش تحت وطأة العقوبات الغربية المتصاعدة، دفعتها إلى إعادة الحياة لـ "اقتصاد المقايضة". فقد بدأت بالفعل في عرض سبائك ذهبية في خزائن موجودة في الخارج، وحمولات شاحنات نفط، مقابل الحصول على المواد الغذائية. فلم تعد تملك المال الصعب لشراء حتى الغذاء. وعلى الرغم من أن العقوبات الغربية، لا تحظر على إيران استيراد المواد الغذائية، إلا أن التعاملات المالية لإتمام عمليات الشراء هذه، تخضع للعقوبات أو في أفضل الأحوال إلى الرقابة المشددة. والأمر ليس أفضل حالاً في سورية، التي ليس لديها في الواقع ما تقايض به، لأن نظام الأسد الأب والابن، لم يتسبب فقط في الخراب الاقتصادي المحلي، بل نهب مقدرات البلاد على مدى أكثر من أربعة عقود. الأسعار في إيران وسوريا، بلغت مستويات مرتفعة بالغة الخطورة. ففي الأشهر الماضية زادت هذه الأسعار إلى الضعفين، لأن العملتين الوطنيتين، خسرتا أكثر من نصف قيمتيهما، مقابل العملات الرئيسية الأخرى، ولاسيما الدولار الأميركي. وتبيع إيران نفطها بعملات مثل الروبية الهندية والوون الكوري الجنوبي والين الياباني، لكن من الصعوبة بمكان، أن تتحول عوائد هذه الصفقات إلى إيران.
كيف يمكن أن تكون هناك مخططات ترويجية بين بلدين يعيشان ما يشبه الحرب، بقرارات من نظاميهما؟ في دمشق، يضع نظام الأسد مصيره مقابل مصير أمة بأكملها، رافضاً كل العروض السخية التي قدمت له لتخليصه من مصيره المحتوم. وفي طهران، يقف نظام ضد العالم أجمع، يهدد مرة ويتراجع مرات، ولا يبدو أنه يفهم مخاطر اللعبة التي أشغل نفسه بها. وبين نظامين لا يعرفان كيف سيلبيان الاحتياجات الغذاء لشعبيهما، تأتي شراكة ترويج الخراب الاقتصادي بينهما، بعد تناغم فريد لخراب سياسي جمعهما.
(نُشر في جريدة "الاقتصادية")
محمد كركوتي
0 comments:
إرسال تعليق