الاثنين، مارس 26، 2012

الضاحية دويلة المخدّرات والفساد والعملاء ؟

الضاحية بخير إذاً «حزب الله» بخير، شعار لطالما ردّده أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت منذ سنين، لِما تتمتّع به هذه المنطقة من «خصوصيّة»ا إنْ على الصعيد الجماهيري، أو لناحية المزيج «الشيعي»، حيث يقطنها أبناء بعلبك والجنوب وجبيل، إضافة إلى سكّان المنطقة الأصليّين الذين ولغاية اليوم يعتبرون أنّ أرضهم أحتلّت من الغرباء حتى ولو كانوا من المذهب نفسه.

ما إنْ تطأ قدماك أرض الضاحية حتى يتملّكك شعور بأنّك مراقَب: عيون ترصدك، جهاز أمنيّ يراقب تحرّكاتك طوال الوقت، يسأل أصحاب المحالّ عن سبب دخولك، يريد معرفة الصغيرة والكبيرة عنك، فقط لإشعارك أنّك في منطقة حزبيّة منضبطة غير متسيّبة، ولإفهامك أنّ الخطأ هنا ممنوع، ووجودك قد يكون غير مرحَّب به، كلّ تلك الأمور تُشعرك وكأنّك انتهكت حرمة منزل.

ومع هذا، فإنّ كلّ ما تراه الأعين من محاولة للإمساك بالأمن وملحقاته من قِبل الجهة المسيطرة على الأرض، على حدّ قول بعض سكّان الضاحية، هي فقط لإيهام الأهالي أنّ أمنهم وسلامتهم بألف خير وفوق كلّ اعتبار بالنسبة إليهم، لكن في الحقيقة فإنّ هذه المظاهر التي يعمد اليها الحزب، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، تعكس مدى الإرباك نتيجة التفلّت الحاصل داخل المناطق الخاضعة لسيطرته.

تفشّي المخدّرات

ومع هذا التفلّت الذي لم تعهده الضاحية من قبل حتى في ذروة الحروب، ظهرت الى العلن مشكلة تفشّي المخدّرات بشكل كبير، لتصبح اليوم ظاهرة علنيّة لدى معظم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و40 عاماً، وهو عدد كبير بالنسبة إلى منطقة تسكنها مليون نسمة تقريباً معظمها من جيل الشباب.

تجدهم يجوبون أحياء وزواريب الضاحية الجنوبية باحثين عن فريسة يوقعونها في شرك الإدمان، إنّهم تجّار الموت، يبيعون مخدّراتهم من دون حسيب أو رقيب، وعلى أعين الجميع، وبحسب بعض السكّان إنّ هؤلاء التجّار هم في معظمهم من أبناء العشائر التي لا يقوى "حزب الله" على مجابهتها لغاية انتخابيّة، وأخرى تتعلّق بتكوينه الداخلي، حيث إنّ معظم مقاتليه هم من أبناء البقاع، ولذلك كانت دعواته المتكرّرة الى دخول القوى الشرعيّة الضاحية.

وعند سؤالك الأهالي من أين يحصل هؤلاء الشبّان على المال لكي يبتاعوا السمّ؟ فإنّ الجواب يأتيك بسرعة البرق، فيقول أحدهم: ينطلق المروّجون من هنا لبيع سمومهم إلى طلّاب الجامعات وروّاد الملاهي الليليّة في بيروت والمعاملتين وغيرهما من المناطق، ويجدون هنا الملجأ الآمن من الملاحقة. أمّا بالنسبة الى المتعاطين، فإذا لم يكن المال متوافراً، وهذا ما يحصل معظم الأحيان، فهناك أنواع أخرى من المخدّرات يلجؤون اليها مثل حبوب "ريفوتريل" المعروفة لديهم بـ "ريفو"، وهي حبّة تعطي دفعاً من القوّة والشجاعة عند اللزوم، بالإضافة الى أدوية "السعلة" وحقنة "ترامال" المتوافرتين في الصيدليّات بكثرة، وهذان الدواءان يُستعملان للتهدئة من سرعة الانفعال والغضب، لكن يبقى "السيمو" و"البينزيكسول" الأكثر شيوعاً بين المدمنين، حيث يتراوح سعر العلبة الواحدة بين 30.000 و40.000 ليرة لبنانية.

تجارة السلاح

أمّا عن تجارة السلاح فحدّث ولا حرج. يقول أسعد خ. أحد تجّار السلاح: "هنا السلاح على أنواعه، والقطعة غير المتوافرة اليوم يمكن الإتيان بها غداً من بريتال، لكن مقابل ذلك عليك أن تدفع عمولة للرجل الذي سيجلبها، ونحن هنا نعطيك الأمان وصولاً الى منطقة المشرّفية أوالغبيري، وبعد ذلك عليك أن تتدبّر أمنك بنفسك" لا لشيء، فقط لأنّه مطلوب للعدالة.

ومن جهة أخرى يقول أحد المواطنين في حارة حريك "إنّ هناك مخزن أسلحة تمّ قصفه في حرب تمّوز، فعمد بعض أبناء الحيّ إلى سرقة ما تبقّى فيه من قطع لم تتعرّض للتخريب، فجرى إصلاحها ومن ثمّ بيعت لأشخاص محسوبين على الحزب"، وأكّد المواطن أنّ الذين ارتكبوا تلك السرقات هم اليوم في مراكز متقدّمة في "حزب الله".

وبحسب رواية بعض الأهالي، فإنّ الضاحية المقاومة المعروفة بصمودها لم تعد قائمة منذ انتهاء حرب تمّوز 2006، فالمال الذي دخل بوفرة الى المنطقة أفسد بعض أهلها، فبالإضافة الى تأثيره الإيجابي لجهة إعانة الناس وإعادة إعمار ما دمّرته إسرائيل، إلّا أنّ تأثيره السلبيّ كان أكثر بكثير، فهو تسبّب بنقمة بين أبناء الطائفة الشيعيّة في الضاحية وخارجها، حيث جعلها مقسومة الى فئتين: فئة شديدة البؤس والفقر نظراً لِما حلّ بها بعد حرب تمّوز 2006، وتكاد لا تخلو عائلة من ذكرى شهيد، فهذه فقدت النجل، وتلك فقدت الشقيق، أو الوالد، فالتشتّت والفقر لا يزالان القاسم المشترك بين هذه العائلات.

أمّا الفئة الثانية فحدِّث ولا حرج. أناسٌ تبدو عليهم مباهج الحياة، من خلال طريقة عيشهم التي انقلبت رأساً على عقب بعد تلك الحرب، فمَن كان يعمل أجيراً أصبح يملك اليوم مشروعه التجاريّ الخاص، ومَن كان عاملاً لدى شركة أمن خارج الضاحية، أضحى مسؤولاً عن مجموعة عناصر ما يسمّى بالانضباط التابعة لـ"حزب الله"، المعنيّة بتنظيم السير والمرور والحدّ من المشاكل بين أبناء الضاحية، وهؤلاء أيضاً ملزمون بتقديم التقارير اليوميّة إلى قياداتهم.

وكلّ ذلك يؤشّر الى انعدام وفقدان ما كان يسمّى بالطبقة الوسطى، فالناس هنا أصبحوا إمّا فقراء تحت "الأرض" وإمّا أغنياء فوق "الريح" وهو ما تجلّى بوضوح مع سقوط أولى منظومة "حزب الله" الماليّة صلاح عز الدين المتموّل الذي كان إعلان افلاسه بمثابة انهيار رأس جبل الجليد، والذي تكشّفت مع سقوطه ملايين الدولارات التي يمتلكها مئات السياسيّين داخل الحزب.

وفي الضاحية فئة ثالثة غير معترف بها أصلاً، وهي من غير الطائفة الشيعيّة اضطرّت إلى مغادرة الضاحية الجنوبيّة بعدما دُمِّرت منازلها، وكانت شركة "وعد" وضعتها بين خيارين: إمّا أن يدفعوا للشركة ما تعطيهم إيّاه الدولة من مال لإكمال المشاريع التي تقوم بها، أو بيع ما يملكونه من أسهم لحساب هذه الشركة، لكنّهم فضّلوا الخيار الثاني على العودة إلى تلك المناطق نظراً إلى الجوّ الطائفي الذي تجدّد وأستعر مع انتهاء حرب تمّوز.

الأماكن المستحدثة

وما يلفتك في الضاحية المستجدّة كثرة الأماكن المستحدثة التي بُنيت على أراضٍ تعود ملكيتها للدولة اللبنانيّة المغيّبة كلّياً عن هذه المنطقة، فعند أوّل طريق بئر العبد كانت هناك أرض شاسعة يمارس عليها أولاد المنطقة لعبة كرة القدم، إلى أن جاء أحد المتنفّذين في "حزب الله" وحوّلها إلى منتجع سياحي، ومقهى بُني على أنقاض مبنى يدلّ اسمه على الـ 33، عدد أيّام حرب تمّوز.

أمّا الصدمة فهي مطعم "س ت" الذي يخلو من وجود العشّاق لكثرة الزوايا الدافئة بداخله، ولهؤلاء العشّاق وغير المتزوّجين مقاهٍ متميّزة عن بعضها يقصدونها ليلاً حيث اللحظات الحميمة مسموح بها من وقت إلى آخر، وغالباً ما يكون معظم روّاد تلك المطاعم من جيل الشباب. الملفت في هذه المطاعم غياب الشهادات الصحّية الصادرة عن وزارة الصحّة وغير المسجّلة لا في البلدية ولا في وزارة السياحة.

هل تمّ خرق "حزب الله" من قِبل المخابرات السيريلنكيّة؟

بعض السكّان المطّلعين على حال "حزب الله" والضاحية معاً يقولون: "إنّ ظاهرة تكاثر مقاهي الرصيف والمطاعم السريعة الخدمة هنا، تجعلك تدرك أنّ هناك مخطّطاً كان أعِدّ له سابقاً عنوانه الاكتفاء الذاتي، وكأنّ ما كان مقصوداً هو عزل بيروت اقتصاديّاً بعدما حلّ بها في 7 أيّار 2008، وقبله من احتلال وسطها، ما أدخله في منطقة النسيان من الذاكرة لفترة من الزمن قبل أن يُعاد إحياؤه".

ويؤكّد هؤلاء "أنّ الوعد الصادق تحوّل إلى "مُولات" ومقاهٍ وحدائق أطفال وأماكن للتسلية ومطاعم فخمة، وإلى خلاف بين الطائفة الواحدة بعدما قسمت نصفين، الأوّل رأس مالي بامتياز مدعوم من سياسيّي "حزب الله"، ونصف آخر أشبه بالمتسوّلين يعتاشون على الصدقات التي تقدّمها جمعيّة المبرّات الخيريّة الإسلاميّة وبعض المتموّلين الشيعة آخر كل شهر".

كثرة العملاء

واليوم، ما يزيد من تأزّم الوضع في الضاحية الجنوبيّة هو كثرة العملاء داخلها، وهنا تلفت أوساط مُطّلعة إلى أنّ "العملاء المعلن عنهم حتى الساعة هم أقلّ بكثير ممّا تخفيه قيادة حزب الله"، وتضيف مازحة "من يدري، قد يأتي يوم ويكتشف فيه الحزب بأنّه مخترق من قبل المخابرات السيريلانكيّة".

وفي المدّة الأخيرة ازدادت مطالب قيادة "حزب الله" وأمينه العام السيّد حسن نصرالله لجهة دعوة القوى الشرعيّة للعمل على إيجاد حلّ لتلك الظواهر المتفشّية داخل مجتمع لطالما وُصف بالمحصّن والمنضبط في جميع نواحيه، الأمر الذي اعتبرته بعض الأوساط نفسها بأنّه مصير محتوم لمنطقة غاب عنها منطق الدولة عشرات السنين قسراً لمصلحة منطق دويلة تنخرها سوسة المخدّرات والخوّات والفساد المالي.

وتجزم الأوساط أنّ "هناك أعداداً كبيرة من الناس بدأت فعلاً ببيع ممتلكاتها وعقاراتها بغية الخروج من الضاحية والسكن بعيداً عنها خوفاً على مصير أبنائها من تفشّي ظاهرة المخدّرات التي طاولت أبناء عائلات مشهود لها بتاريخها وبوضعها الاجتماعي العريق".

وتضيف أنّ"أكثر ما تخافه تلك العائلات هو التعرّض لشرف بناتها، حيث أصبحت حياتهنّ عرضة لابن هذه العشيرة أو تلك"، لافتةً إلى أنّ "هناك حالات زواج تمّت رغماً عن إرادة أهاليهنّ، وهو ما يحصل فعلاً في أكثر من منطقة في الضاحية وعلى وجه الخصوص في منطقتي الليلكي وحيّ السلّم".

وفي المحصّلة، يبدو أنّ الأمن الاجتماعي بدأ فِعلاً بالانهيار والتداعي في هذه المنطقة الحسّاسة والمقفلة.

"الجمهورية"

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية