الجمعة، مارس 23، 2012

أنت صحافي...؟ إذاً السفارة السورية تراقبك



لم يَدر«المخبر» الذي انتهى من إرسال تقريره الأمني من شتورة في البقاع، إلى السفارة السورية في بيروت عبر الفاكس، أنّ هناك من يتربّص به، وان محاولة تمزيق التقرير بعد إرساله ورَميه في سلة المهملات، كانت «هفوة أمنية» مكّنت البعض من محاولة جمع «نُتَف» التقرير الممزق لتظهر حقيقة ما ورد فيه.

التقرير الأمني المكوّن من ثلاث صفحات أعِدّ بدقة متناهية واحترافية، وتناول الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام في طول البقاع وعرضه، وتضمّن تفصيلا إلى جانب اسم كل إعلامي حول هويته السياسية، وميوله، ومواقفه حيال ما يجري في سوريا، وطريقة تغطيته للأخبار، ومن هي المصادر التي تزوّده بأهمها؟ وغيرها من أمور تعتبر من مستلزمات العمل الاستخباراتي السوري الذي ما زال ناشطاً في لبنان، على رغم أنّ البعض يردّد دوماً عبارة "سوريا صارت في سوريا"!

دفاعاً عن الحريات

هذا الأمر الذي نعيد تسليط الضوء عليه في "الجمهورية"، يدخل في إطار الوقوف إلى جانب الصحافة والحريات والدفاع عنها، ولا يمكن التغاضي عنه، وهو أثار غضباً واستغراباً لدى مراجع أمنية وسياسية وروحية في البقاع، ليتبيّن أنّ هناك تعليمات من مسؤول امني سوري للمخبرين والناشطين بإعداد تقارير مشابهة ودراسات في كل المناطق اللبنانية تتناول الجسم الصحافي والإعلامي، وتقارير بالصحف ووسائل الإعلام اللبنانية وأصحابها، وتفاصيل عن سياستها وتمويلها ونوعية أخبارها وانتماءات العاملين فيها، وغيرها من تفاصيل دقيقة في إطار "سرّي للغاية"، تؤكد أن الصحافة اللبنانية دوماً في خطر، ومكتوب عليها ان تدفع دائماً ضريبة "دورها المميز" في هذا الشرق.

وقد اعتبرت أوساط نيابية بقاعية أنّ "ما جرى يثبت وجود محاولات تستهدف الصحافيين في مسيرتهم، بقصد حَجب الحقيقة عن الرأي العام، كون هؤلاء هم الجنود الذين يعملون لنقل الحقيقة والواقع كما هو، وأن التجارب أثبتت أن الإعلاميين هم دوماً في دائرة الخطر والاستهداف، وهم دوماً وفق العقلية المخابراتية في "دائرة الشبهة".

تهديد مبطّن

بدورها، أبدَت الأجهزة الأمنية اهتماماً بارزاً في متابعة التحقيق حول معدّ هذا التقرير، ومدى تهديده للعاملين في وسائل الإعلام في البقاع ولبنان كله، خصوصاً أنه يركّز على انتماءات الصحافيين السياسية وميولهم. وتولّى عدد من الصحافيين تزويد هذه الأجهزة بصوَر عن التقرير، لتجري تحقيقاتها في هذا الاطار.

واكد عدد من الزملاء الإعلاميين في البقاع، ممّن تناولهم التقرير، أنهم يعتبرونه بمثابة رسالة "تهديد مبطّن" لجميع الإعلاميين، وبالتالي يطالبون بحمايتهم لأن حياتهم معرضة للخطر، لافتين إلى أن هذا الأمر هو بمثابة إخبار للقضاء، وبالتالي يرون أنه في حال تعرّض أي إعلامي للأذى، فإن الجهة التي استهدفته باتت واضحة وأدانَت نفسها بنفسها.

وأضاف هؤلاء: "هذا التقرير أثار قلقنا ومخاوفنا، والمطلوب من نقابتي الصحافة والمحررين التدخّل عملياً، وإثارة هذا الموضوع مع السلطات المعنية، ولبنان مليء بنماذج من شهداء الصحافة الذين دفعوا ثمن التزامهم وإيمانهم بالحقيقة والحرية".

تقرير دقيق

وذكر احد الزملاء البقاعيين لـ"الجمهورية"، وهو يعمل في صحيفة يومية مكتوبة، أنّ التقرير الأمني قسّم إلى 3 أجزاء وفق المنطقة الجغرافية التي يغطّي المراسل أخبارها لوسائل إعلام لبنانية فقط من دون ذكر أسماء المؤسسات الإعلامية العربية والدولية. وأظهر التقرير الذي أُرسل عبر الفاكس الى السفارة السورية في بيروت، دقّته بنسبة 90 في المئة، وأن الهدف من ورائه معرفة كيف يتابع المراسلون تغطية الأحداث السورية وما يجري على الحدود بين لبنان وسوريا، ومن هو داعم للنظام السوري ومن هو ضده؟ وهل يلعب الاعلاميون دوراً في دعم الثوار والأنشطة السورية المعارضة. ومن دون شك يهدف أيضا إلى ممارسة أعمال الترغيب والترهيب على الصحافيين، لمَنعهم او "التمَنّي عليهم" عدم تغطية ما يجري على الحدود، أو متابعة الملف السوري وارتداداته داخل لبنان.

الانتماءات والميول

وتمكّن معدّ هذا التقرير من تصنيف المراسلين حسب انتماءاتهم الحزبية، وهويتهم السياسية، وتناول حتى المراسلين الذي يعتبرون من المحسوبين على أحزاب مؤيدة للنظام السوري. لذا، لوحظ أن انتماءات المراسلين وفق التقرير توزّعت سياسياً على "القوات اللبنانية"، و"المستقبل"، و"التيار الوطني الحر"، و"الشيوعي"، و"حزب الله"، وحركة "أمل"، و"الحزب السوري القومي الاجتماعي"... فضلاً عن ولاء البعض لزعامات تقليدية وتيارات سياسية، والبعض الآخر صُنّف في دائرة "المشبوهين"!

تهديدات سابقة

وهذا التقرير ليس بجديد، إذ سَبق وتلقّى عدد من مراسلي الصحف والمحطات المتلفزة رسائل خلوية محمّلة بالتهديدات، و"تمنّيات" من جهات أمنية وشخصيات، بالابتعاد قدر الإمكان عن إثارة موضوعات تتعلّق بالنازحين السوريين، وارتدادات ما يجري في سوريا... وقد تشهد الايام المقبلة تحركات واستنكارات من مرجعيات وهيئات سياسية وروحية بقاعية، لرفع الصوت والتحذير من محاولة التعرض للإعلاميين، ليس في البقاع فحسب، بل في لبنان كله.

(الجمهورية)
صبحي منذر ياغي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية