
دويتشه فيله
تفرض الأحداث في سوريا نفسها على رأس التغطية الإعلامية في كل أنحاء العالم، لكن يبقى التساؤل عن كيفية تعاطي الإعلام السوري مع الأحداث، وهل جاء ملبياً لتطلعات المواطنين أم ناقلاً لوجهة نظر الحكومة فقط؟
تعيش سوريا منذ أكثر من ثمانية أشهر أزمة حقيقية، فالاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها معظم مناطق البلاد ضد نظام الرئيس بشار الأسد، أسفرت عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والمعتقلين وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بحسب منظمات حقوق الإنسان الدولية ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
ورغم أن القنوات الفضائية السورية خصصت أغلب مساحات بثها للحديث عما يجري في سوريا، وكذلك فعلت الصحف الرسمية، إلا أنه لا بد من التساؤل عن نتائج هذه التغطية وعن مدى تعبيرها عن تطلعات الشارع السوري. فهل جاءت هذه التغطية معبرة عما يجري في سوريا؟ وهل كان دورها نقدياً أم تجميلياً؟ دويتشه فيله استطلعت آراء عدد من الخبراء في الشأن الإعلامي والمطلعين على خطاب وسائل الإعلام السوري.
تبني موقف السلطة
الناشطون السوريون يرون أن الإعلام السوري الرسمي جاء ليكرر ما تقوله السلطات من دون أن يعير الانتباه لما ينادي به المتظاهرون في الشارع، والذين اضطروا إلى تصوير مظاهراتهم بالهواتف المحمولة وبآلات تصوير غير احترافية ووضعها على شبكة الإنترنت ليراها العالم.
وكانت المفاجأة، حين اعتمدت القنوات الفضائية العربية والدولية في كافة أرجاء العالم على هذه الفيديوهات، التي يصورها الناشطون. من جانبها بادرت السلطات إلى تكذيب كل ما يأتي في تلك المشاهد.
وعن ذلك يقول الناشط الحقوقي مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بأنه و"منذ اليوم الأول للأحداث، أخذ الإعلام الرسمي والإعلام الخاص الذي يدور بفلكه، نفس موقف السلطة السياسية وتبنى وجهة نظرها بالمطلق وتحول إلى طرف بالنزاع وظهر فقط كوسيلة للترويج وتبني الرواية الحكومية".
وأكد درويش أن أسلوب الإعلام السوري هو محاولة للتغطية على أساس المشكلة الحقيقي. فالمشكلة في سوريا هي داخلية؛ "مشكلة حريات وديمقراطية ومشكلة تسلط الأجهزة الأمنية على المواطن السوري بكل تفاصيل حياته". والسلطة تحاول أن تصور الموقف الداخلي في سوريا على أنه حالة مواجهة مع الغرب ولا تريد أن تعترف بالمشكلة الحقيقية.
وهذا الخطاب الإعلامي غير المنسجم مع مطالب شريحة كبيرة من المواطنين السوريين، جعل القنوات الإعلامية السورية في حالة من الركض الدائم لنفي ما يدور في سوريا، بل وأكثر من ذلك.
والسبب في هذه الطريقة في التعاطي مع الأزمة السورية يعود إلى أن "الإعلام في سوريا ما يزال يخضع لسيطرة الحكومة والسلطة التنفيذية وحتى الأجهزة الأمنية بشكل مباشر"، كما يؤكد مازن درويش، الصحفي السوري الناشط منذ قرابة عقد من الزمن مع منظمة مراسلين بلا حدود.
ويلاحظ الكثيرون أن التغطية الإعلامية عكست الموقف الرسمي، والعكس بالعكس، ليتجلى هذا التقاطع بين الاثنين في المؤتمر الصحفي الأخير لوزير الخارجية السوري وليد المعلم. عندما عرض لقطات فيدوي في المؤتمر، اتهمته أطراف كثيرة بفبركتها، وأنها تعود إلى أحداث جرت قبل سنوات في لبنان. فكان ذلك الأمر "سقوطاً سياسياً وفضيحة بالمعنى السياسي" كما يرى مازن درويش، الذي يؤكد بأنه "لو كنا في دولة ديمقراطية لتوجب على وزير الخارجية أن يقدم استقالته فوراً".
ومن جانبه، يرى مجيد عصفور، الكاتب في جريدة الرأي الأردنية، بأن هذا الخطاب فقد مصداقيته، لأنه منذ اليوم الأول اتهم مواطنيه بأنهم عملاء مأجورين وعصابات مسلحة وغيرها من النعوت العدائية.
وهذا الأسلوب الذي يتبعه النظام السوري ليس بالجديد، وإنما يعود إلى عقود خلت، كما يقول المحلل السياسي الأردني مجيد عصفور، والذي يؤكد بأن "هذا الأسلوب لم يعد يجدي في هذا الزمن الذي تنتشر فيه المعلومات بوسائل عدة، ولم يعد فيه المواطن مضطراً لأخذ معلوماته من مصدر واحد". ويرى عصفور بأن الإعلام السوري "ضعيف الحجة في مواجهة التدفق المعلوماتي الكبير"، وهو كمن "يحاول تغطية الشمس بغربال".
وأضاف بأن المؤسف هو أن السلطات السورية تتهم النشطاء والمحطات الفضائية بفبركة المقاطع المصورة المنشورة، بينما في واقع الحال تقوم السلطات بممارسة هذا السلوك على أعلى المستويات. ويقوم الإعلام بالتشويه وبحرف الحقائق عن مسارها.
المساهمة في تأجيج الاحتجاجات
ومن جانبها، ترى الصحفية رولا إبراهيم، بأن تغطية الإعلام السوري لم تكن على مستوى الحدث، ولم تقم بخدمة النظام السوري، بل "كان الإعلام السوري هو أكبر المسيئين للنظام السوري ولشخص الرئيس بشار الأسد". فكان الإعلام أحد الأطراف التي ساهمت في تأجيج الأوضاع، بتجاهله لمناطق معينة، وبتجاهله لمظاهرات الناس ولمطالبهم، مما زاد سخط الناس وغضبهم. وتعتقد رولا بأن التغطية الإعلامية تميزت بتجييش المواطنين لاتخاذ موقف معين، بنفس لغة الإعلام الرسمي في مرحلة ما قبل ظهور الفضائيات.
من يخالف النهج يحارب
العديد من الصحافيين السوريين لم يوافقوا على أسلوب المؤسسة الإعلامية في التعاطي مع الأحداث في البلاد، فتم إبعادهم عن أماكن عملهم، مثل سميرة المسالمة، رئيسة تحرير جريدة تشرين، التي تضاربت الروايات حول ما إذا كانت استقالت بمحض إرادتها أم أنها أقيلت من موقعها، وغيرها من الصحافيين.
وشهدت بداية الأحداث، كما يقول مازن درويش، استقالة عدد من الصحافيين السوريين احتجاجاً على عدم فرد مساحة للرأي الآخر المختلف عن الرواية الحكومية والرواية الأمنية. وتم اعتقال العديد من الصحفيين السوريين وتم إحالة بعضهم إلى محاكمات عسكرية، فقط لأنهم حاولوا أن ينتقدوا الصورة التي تظهرها القنوات الحكومية ولأنهم طالبوا بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
وبعضهم شاركوا في ما عرف بـ"مسيرة المثقفين" فتم فصلهم من العمل بشكل تعسفي، فقط لأنهم عبروا عن رأيهم مما يجري. ويضيف مجيد عصفور على ذلك بالقول: "رأينا كيف ضرب علي فرزات وهشمت أصابعه لأنه ينتقد النظام برسومه الكاريكاتورية. ورأينا اعتقالاً وتعذيباً لسليمان الخالدي، الصحافي الأردني الذي يعمل مراسلا لوكالة رويترز، والذي كان متواجداً في سوريا في بداية الثورة".
بوابة الشروق
0 comments:
إرسال تعليق