الأحد، مارس 25، 2012

اللغة الأردية .... النشأة والتاريخ


راسخ كشميري

تعتبر اللغة الأردية من اللغات الحديثة التي نشأت في شبه القارة الهندو باكستانية، وذلك لا يعني أن الناطقين بها قالوا لها: كوني، فكانت، بل إنها مرّت بالمراحل التي يجب أن تمر بها لغةٌ ما لكي تصبح لغة، واللغة – أيُّ لغةٍ كانت- كما يتحدث عن تكوينها الدكتور المولوي عبد الحق في مقدمة كتابه الأردي (قواعد اللغة الأردية)1 : أنها ليست باختراع، ولا يمكن لأحد أن يخترع لغة ما، بل إنَّ مراحل تكوينها مثل مراحل تكوين البذرة حتى تصبح شجرة مثمرة.

* * *

يقول الدكتور إبراهيم محمد إبراهيم2 : [...اللغة الأردية إحدى لغات الفرع الآري3 للغات الهندو أوروبية4 ، وأكبر لغات شبه القارة الهندو باكستانية التي يزيد تعدادها عن المليار نسمة يتحدث منهم باللغة الأردية ويفهمها ما لا يقل عن ثمانمائة مليون من أهل هذه البلاد (الهند- باكستان- نيبال- بنجلاديش) ما بين مسلمين ومسيحيين وهندوس وسيخ وغيرهم من أصحاب الديانات المنتشرة في تلك الرقعة من العالم.

* * *

ويعود تاريخ نشأة هذه اللغة- طبقاً لبعض الآراء- إلى ما قبل الميلاد بخمسمائة عام5 ، وبالطبع كانت صورتها في ذلك الوقت وحتى قبل دخول المسلمين غير العرب6 إلى شبه القارة الهندو باكستانية فاتحين بقيادة محمود الغزنوي من ناحية الشمال غير ما هي عليه اليوم7 .
… وهي لغة سهلةٌ مرنة تقبل ألفاظ اللغات الأخرى وتفسح لها المجال في قاموسها دون أن تزاحمها كثيراً، وتظل تلك الألفاظ مُعبِّرة دون غيرها رغم وجود مرادفات لها ذات المعنى، لكن لا تظهر المعنى إلا بتلك اللفظة التي وردت من لغة أخرى…

* * *

[... وهي لغة اجتماعية نشأت بامتزاج اللغات المحلية في شبه القارة الهندية، وباشتراك اللغتين العربية والفارسية – مع لغات أخرى إضافية8 -، وتعتبر أيضاً من اللغات الثلاث الأولى بعد اللغة الصينية والإنجليزية من حيث عدد المتحدثين، وكذلك من حيث استماع الناس إلى النشرات الإذاعية بعد اللغة الإنجليزية والفرنسية.

* * *

أما من حيث استعمالها فهي في المرتبة الخامسة بعد الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والعربية، وتقف في الصفوف الأولى من مجموع اللغات الموجودة في العالم والبالغ عددها حوالي أربعة آلاف لغة.
والأردية لغة باكستان القومية وهي لغة ثانوية في الهند، وقد سميت اللغة بالأردية في عهد الملك شاه جهان9 ، فقيل لها تارة (زُبانِ أُردو) أي اللغة الأردية، وتارة (الأردو المُعلَّىٰ) حتى استقر على كلمة (أردو) فقط]10 .

* * *

الاسم (أُردو) والاختلاف في معانيه وأصله اللغوي

قد اختُلفَ في معنى الكلمة (أردو) كما اختلف في محل نشأة اللغة ذاتها، وسنتناول هذا الاختلاف بعد أن ننقل الاختلاف في مسميات ومعنى كلمة (أردو):
1- تتناول كتب التاريخ أن ملوك المغول في عهد جنكيز خان وأولاده كان يطلق على مستقر حكومتهم (أُردو)، وكذلك حين كانوا يقيمون في مقامٍ ما مع عسكرهم كانوا يسمون ذلك المقام (أُردو)، ويقال: أن الخيم الذهبية التي كانوا ينزلون فيها كانت تسمى (الأردو المطلَّىٰ) (Golden Horden)، وقد انتشر الاسم آنذاك في شبه القارة الهندية فكانوا يستعملونه في معنى المعسكر11 .
2- في قاموس اللغة الأردية المسمى بجامع فيروز اللغات نجد تحت الكلمة أردو صفحة 82 ما ترجمته: كلمة أُردو تركية الأصل، وتعني الجيش أو المعسكر، أو مكان إقامة المعسكر، وهي اللغة المشتركة بين باكستان والهند الناشئة بمزيج من لغات أخرى….
ويقول الحافظ محمود الشيراني وهو أحد المحققين في تاريخ اللغة الأردية أن اللفظ (أردو) نجده في اللغة التركية بعدة صور منها: (أُورد، أُورده، أُوردو، وأخيراً أُردو) ومعناه: الجيش، جزء من الجيش، المعسكر، وكذلك يطلق على: الخيمة، السوق، القصر، القصر الملكي، القلعة الملكية، أما البعض فينكرون أصل هذا اللفظ التركي، إنما ينسبونه إلى اللغات الهندوألمانية12 .
3- قديماً وقبل أن يختص الاسم (أُردو) بهذه اللغة كان يطلق عليها اللغة الهندية أو الهندوية، وريخته وغيرها من الأسماء كالهندوستانية، والحقيقة أن الأردية كانت تسمى بأسمائها المحلية فكلما ذهبت إلى مقام انتسبت إليه، فكانت البنجابية، والدكنية، والكجراتية، والدهلوية، بينما هي في الحقيقة (أردية)، ولعل ذلك أن لهجات تلك المناطق وكلماتها أيضاً دخلت فيها فسميت كذلك، وعلى قول البعض أن علاقة الأردية من حيث انتسابها إلى المقامات المذكورة أعلاه إنما يرجع إلى انتشار اللغة الأردية فيها، ونستنتج أن المسميات المختلفة للغة الأردية تظهر الحالات التطويرية التي تعرضت لها اللغة، وكان القادمون من البلاد البعيدة يسمون الأردية، (الهندية)، وأودُّ أن أُشير هنا أن البعض ما زال يطلق عليها اسم الهندية، ولكن الحقيقة أن الهندية باتت تعرف على أنها لغة مختلفة عن الأردية رغم التشابه الكبير بين اللغتين إلا أن الهندية تختلف كونها تكتب برسم خط مختلف، وعلى كلِّ حال فكل تلك المسميات أصبحت متروكة، وبقت الكلمة (أُردو) تاجاً على رأس اللغة التي بها تعرف الآن…

* * *

نشأة اللغة الأردية

اختلف المؤرخون في بدايات اللغة الأردية اختلافا كبيرا من حيث محل وجودها ومصدرها، ولذا نجد كتب التاريخ الأردي مليئة بآراء كثيرة حول هذا الموضوع، ورغم وجود اختلافات في هذا الأمر إلا أن أغلب الآراء تتفق على أن نشأة اللغة الأردية كانت على أيدي فاتحي الهند المسلمين، وسنتناول في الأسطر الآتية بعض هذه الآراء:
1- يقول نصير الدين الهاشمي13 : ابتدأت اللغة الأردية في (دَكَّن)14 لوجود روابط تجارية قائمة بين تجار العرب والهنود، ونتيجة اختلاطهم ظهرت بوادر اللغة، إلا أن الرأي رُدَّ من قِبل بعض المحققين وهو: الدكتور غلام حسن ذو الفقار بقوله: بأن العلاقات العربية الهندية كانت سطحية بين التجار، إلا أننا لا ننكر النتائج الفكرية على اللغة جراء هذا الاختلاط، ويضيف أن علاقة اللغة الأردية بدكن ليست علاقة ابتداء، بل علاقة ارتقاء15 .
2- يرى السيد سليمان الندوي رحمه الله: أن بداية اللغة الأردية تعود إلى بلاد السند16 ، لأنها كانت المحطة الأولى للمسلمين الفاتحين، وقياسا عليه فلعل بوادر اللغة الأردية ظهرت هنا17 .
3- ويقول الحافظ محمود شيراني -وهو أحد المحققين المعترف بهم في بحوث اللغة الأردية-: تعود بداية اللغة إلى (بنجاب)18 بسبب حملات محمود غزنوي وشهاب الدين غوري المتكررة على الهند (1000م-1026م) ، ونتيجة ذلك قامت حكومة المسلمين الناطقين بالفارسية في (بنجاب)، وأقام الفاتحون حوالي مائتي سنة هناك، وخلال هذه المدة نبتت بذور الأردية، وكذلك تناول الحافظ محمود شيراني واستدل في تحقيقه بالصرف والنحو والتشابه بينهما في اللغتين الأردية والبنجابية، وهذا هو الرأي الذي يميل إليه الكثير حتى الآن.
يظهر مما سبق اختلاف المؤرخين في بدايات هذه اللغة، والحقيقة أننا لو قرأنا ما كتبه الدكتور جميل جالبي في كتابه تاريخ الأدب الأردي الجزء الأول صفحة 3-4 سيزول ما يلتبس على القارئ مما قرأ أعلاه!
يقول الدكتور جميل جالبي أحد رواد الأدب الأردي ومؤرخيه: أن هذه اللغة وصلت مع المسلمين أينما حلُّو فكونت هيئتها من خلال تأثيرات المنطقة اللسانية عليها، تكوَّنت في السند وملتان، ثم ارتقت قليلا في بنجاب، ثم وصلت بعد مائتي سنة تقريبا إلى دهلي ومن هناك اختلطت باللغات المحلية وانتشرت في شبه القارة الهندية، فحينما حلت بالكجرات، قيل عنها الكُجرية، وفي دكّن سميت بالدكنية، فمن قائل أنها الهندية، ومن معبِّر عنها أنها اللغة اللاهورية أو الدهلوية، وعلى هذا القياس أُنيطت اللغة ببِرج بهاشا، وكهري بولي، والبنجابية والسندية والسرائيكية على التَّوالي، فكل هذه الأمور والدَّعاوي في انتساب اللغة إليها لدليل على أن الأردية اقتبست نورها واكتسبت فيضها من جميع المناطق واللغات السائدة فيها ثم انفردَت بهيئتها الجميلة، لذا هي لغة اللغات الموجودة في شبه القارة الهندية19 .

* * *

هل اللغة الأردية لغة مسلمي القارة الهندوباكستانية فقط؟

تعتبر اللغة الأردية لغة لصيقة بالمسلمين، ومن هنا قامت الدنيا وقعدت فالهندوس لا يحبونها لتعصبهم تجاه الإسلام والمسلمين، حيث أنهم كما يقول الدكتور إبراهيم محمد إبراهيم: [...يظنون أن اللغة الأردية لغة دخيلة على شبه القارة الهندو باكستانية نشأت وترعرعت في ظل "الاحتلال الإسلامي" لها، وبالتالي فإن بقاء هذه اللغة في البلاد يعد استمرار لمظاهر هذا الاحتلال وهو ما لا يليق بأمة عريقة كالأمة الهندية، ولذا ينبغي التخلص من هذه اللغة باعتبارها لغة المسلمين فقط. في حين أن أرجح الآراء- ومن بينها آراء لنقاد هندوس معتدلين20 تشير إلى أن اللغة الأردية لغة هندية21 أصلية كان لها وجود كامل قبل دخول المسلمين إلى البلاد فاتحين، وإن لم تكن تسمى بالأردية في ذلك الوقت22 ، وإنما كانت كفتاة وثنية لها طقوس وعادات مرتبطة بديانتها وبيئتها، وجاء المسلمون فغيروا من طباعها الوثنية هذه، وهذبوا تقاليدها وعاداتها، وألبسوها حلية إسلامية فتغيرت ملامحها إلى الأفضل، رغم أن هيكلها وجسدها كما هو، وهذا بالضبط ما حدث مع الأردية التي كانت تسمى في ذلك الوقت- غالباً- باسم "كهري بولي" أي: اللغة المكسرة أو العامية.

* * *

وعندما دخل المسلمون البلاد دخلت هذه اللغة أسماء وصفات عربية وفارسية وتركية حلت محل نظيرتها الأصيلة، أو استعملت معها جنباً إلى جنب، فتغير شكل اللغة وإن بقيت قواعدها وأفعالها وحروفها23 كما هي هندية أصيلة.
ثم إن الأردية عندما وصلت إلى مرحلة الإنتاج الأدبي كان لا بد لها من مرشد تقتدي به وتستقى منه إلى أن تصل إلى مرحلة تعتمد فيها على نفسها، فكانت اللغة الفارسية هي ذلك المرشد، ولم يكن ذلك بالأمر العجب- فالفارسية في تلك الفترة- معظم فترة الحكم الإسلامي لشبه القارة الهندو باكستانية- كانت لغة البلاط واللغة الرسمية للبلاد24 ، إضافة إلى كونها أقرب إلى الأردية مزاجا وتكويناً باعتبار أن كلا اللغتين من أصل واحد، فأخذت الأردية باعتبار ما سبق عن الفارسية بطبيعية تامة، وأعطتها الفارسية بطبيعية تامة أيضاً.

* * *

وكانت اللغة الأردية في بداية عهدها ولفترة بسيطة كتبت بالأحرف الديوناكرية25 ثم لما تفرَّعت كتبها الفارسيون بالخط الفارسي، وعندما بدأ العهد الإنجليزي صبها الإنجليزيون في قالب الحروف الإنجليزية، فكما أن اللغة الأردية يقال لها الأردية والهندية أو الهندوستانية فرسوم خطها أيضا الديوناكرية والحروف الفارسية والإنجليزية26 ، أما الأسباب التي عرَّفت الأردية على أنها لغة المسلمين، يحصرها لنا الدكتور إبراهيم محمد إبراهيم في النقاط التالية:
1- أن الأردية تطورت تطوراً كبيراً في ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة التي حكمت شبه القارة الهندو باكستانية27 .

2- أن الأردية حظيت برعاية بلاط الحكومات الإسلامية خاصة حكومات الدكن28) .
3- أن مشاركة الأدباء والشعراء المسلمين في إنتاج اللغة والأدب الأردي تفوق بكثير مشاركة غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.
4- دخول الكثير من الألفاظ والتراكيب والمصطلحات العربية والفارسية والتركية ذات الصبغة الإسلامية إلى اللغة الأردية بجانب الكثير من الألفاظ والتراكيب والمصطلحات غير الدينية من اللغات ذاتها.
5- استقرار الأردية على اتخاذ الحروف العربية الفارسية خطاً لها29 .
6- اعتزاز المسلمين دون غيرهم من أهل شبه القارة الهندو باكستانية بالحديث والكتابة بالأردية.
7- اتخاذ باكستان من الأردية لغة قومية لها3031 .

* * *

ولو قلبنا صفحات التاريخ الماضية نرى أن الآريين حين دخلوا الهند قبل آلاف السنين أتوا ومعهم لغتهم الجديدة في هذه المنطقة، ولأنها كانت لغة الفاتحين الآريين جعلوها قديسة، ولعلهم فعلوا ذلك لإثبات أفضليتهم وأفضلية لغتهم على اللغات المحلية، حتى أنهم تمادوا في هذا الطغيان والوحشية في تقديسها، ومن قبل ذلك كانوا قد قسموا الناس بين القديس والدنيء، حيث كانوا يقولون (شودر) لذوي الطبقات الدنية، وحيال ذلك هناك تقسيم وارد في كتبهم الدينية32 ، وقد كانوا يصبون الآنك في أذن من سمع السنسكرتية يدَّعون بألا حق لهم حتى في سماعها، ولعل كان ذلك سبب في تجميد الحركة التطويرية للغة، أما المسلمون فإنهم حين دخلوا الهند فاتحين دخلوها فلم يطغوا فيها، ولم يقسموا سكانها إلى طبقات، بل الكل كانوا لديهم سواسية، ولما كانت العربية والفارسىة لغتهم امتزجت الكلمات مع اللغات المحلية فكانت الأردية، ويذكر التاريخ أن قاطني شبه القارة حين رأوا سماحة المسلمين وأخوتهم بدؤوا يتعلمون اللغتين العربية والفارسية، فكان منهم من أصبح من علماء الفارسية…33 .

الألفاظ العربية في اللغة الأردية

هذه بعض الألفاظ العربية التي تستعمل في نفس المعنى العربي، وقد اخترت هذه الكلمات اختياراً عشوائيا، ويرجى الملاحظة أن اللغة الأردية العامية تختلف عن اللغة الأردية الأدبية، وهناك ألفاظ قد تستخدم في الكتابات الأدبية ولكنها متروكة في الحديث العامي، وألفاظ عربية موجودة في روح اللغة لكنها تُركت حتى في الأدب، ولعلي أستطيع أن أقول أن المدارس الإسلامية العربية الموجودة في باكستان ودول العالم التي تُدرِّس في اللغتين العربية والأردية تستعمل بعض الاصطلاحات المتروكة أيضاً في شرح للأحاديث أو المسائل العلمية والفقهية، وهذا موضوع يمكننا تناوله على حدة، وسأدرج في السطور الآتية الكلمة الأردية وأذكر أصلها العربي، وهذا غيضٌ من فيض:
اِباحَتْ من الإباحة، اِبتِدا من الابتداء، أَمانَتْ من الأمانة، خيانت من الخيانة، تأخير، جاسوس، جاذب، حاجت من الحاجة، حرام، حلال، موضوع، حد وحدود، صحيح، حديث صحيح، حديث ضعيف، حُدي، حساب، حُسن، حق، حقوق، حصار، حِكتْ من الحكمة، وكذلك يطلق (حكمت) على العلاج بالأعشاب، أو الطب الشعبي، خِدمت من الخدمة، خيال، موجود، صحبت من الصحبة، فخر، افتخار، فضيلت من الفضيلة، المؤاخذة، اَبْتَر في نفس المعنى العربي وله عدة معانٍ أخرى، اَبدْ ، بطل، وأبطال، وإبطال، أبناء، ابن الأخ، ابن الأخت، ولعل مثل هذه المصطلحات تستخدم في شرح مسائل الميراث فقط، خبر، أخبار ويستعمل هذا اللفظ للصحيفة أيضا، خير، اختيار، اختتام، اختراع، اختصاص، اختلاط، اختلاف، إخراج، إخلاص، أخلاق، اِداره، من الإدارة، أدب، وآداب، أدبي، أديب، إِذن، ارتباط، ارتجالاً، ارتحال، ارتكاب، إرث، إرسال، أركان، روح وأرواح، البتة، الوداع، التزام، اشتباه، التجاء، الحاد، إلحاق، إلحاح، إلصاق، الحاصل، الغرض، المختصر، المدد، النادر كالمعدوم، المعنى في بطن الشاعر، المرء يقيس على نفسه، الفقرُ فخري، والانتظار أشد من الموت، الأمر فوق الأدب، المكتوب نصف الملاقات، ويعني أن الرسالة تعني نصف اللقاء، المنة لله، خذ ما صفا ودع ما كدر، منهيٌّ عنه، والحقيقة أن هناك عدد لا يحصى من الكلمات العربية التي كانت وما زالت تُزيِّن جبهة اللغة الأردية بضيائها وبهائها.

* * *

وقبل أن أختم الموضوع أستعرض ثلاثة أبيات شعرية كتبتها باللغتين الأردية والعربية، وسأذيلها بالترجمة:

کبھی تم نے جانا کبھی تم نے سوچا؟
لِماذا انتَشرْ كلّ هذا الخراب؟

لماذا انفلق قمر دين السلام؟
جدا ہم ہوئے کیوں مجھے دو جواب

“قرآں ربّ وکعبہ نبی اک مسلماں
ہیں دو” (إنَّ هذا لشيءٌ عُجاب)

فحوى الأبيات: أفكَّرتَ يوما ما: لمَ هذا الانحطاط الذي نعيشه نحن المسلمون؟ أجبني لماذا انفلق قمر السلام والإسلام فلقتين؟ إنَّ ربنا وقرآننا ونبينا واحد لكننا نعيشُ مختلفين، إنَّ هذا لشيءٌ يدعو إلى العجبِ حقاً.

* * *

وأخيراً أنقل لكم قصيدة مزيجة بالعربية والأردية وهي لرئيس هيئة التدريس سابقاً بدار العلوم ديوبند بالهند القاري طيب رحمه الله، وهي قصيدة أكثرها بالعربية لكن قافيتها تنتهي بألفاظ أردية، وكنت قد سمعتها من أحد أساتذة والدي في باكستان، وهاأنذا أنقلها من ذاكرتي، ولعل هناك بعض الخلل في الوزن، لكني وددت نقلها كما هي دون أن أضيف شيئا، ورغم أنها موجودة في ديوان القاري طيب رحمه الله المطبوع في الهند إلا أنني لم أستطع الوصول إليه، وسأشرح الكلمات الأردية بعد كل بيت حتى يتضح المعنى المراد:
يقول القاري طيب رحمه الله :

ألا يَا صَدِيقي اتركَ الدَّهرَ كُلّه
فإنَّ مَتاعَ الدَّهر كله لغوٌ وبوكسُ

كلمة (بوكس): بالأردية (بوگس)، كلمة إنجليزية الأصل (Bogus) وتأتي في معنى مرادف للغو والباطل وبالتحديد يقال لشيء: غير حقيقي.

* * *

تَركتُ لذيذَ العيشِ من غيرِ فكرةٍ
شَربتُ شَرابَ الزُّهدِ والشَّيخُ شَوْكسُ

كلمة (شوكس) بالأردية (چوکس) وتأتي في معنى المتنبِّه واليقظ.

* * *

وكُنتُ أَرجو أنْ أزورَ مُربِّياً
وَلكن لَيسَ عِنديَ كارٌ وَلَا بَسُ

هنا كلمتين أرديتين في نهاية البيت (كَارْ) وتعني السيارة، إنجليزية الأصل (Car)، أما (بَسْ) فهي أيضا إنجليزية (Bus) أي: الباص.

* * *

فهذا زمان الجهل والغيِّ والعمى
وَإن تجتنب تُدعى بأنَّك بُسْ بُسُ

كلمة (بُسْ بُسْ) بالأردية (پھس پھس) (Phus Phus) بدمج الهاء مع الباء المثلثة، وتنطق الباء المثلثة كما الحرف الإنجليزي (P) والكلمة تستعمل للصوت الخفيف، أو هو اسم للحديث الخفي الذي يدور بين شخصين، ولعل المراد هنا الشخص الأحمق أو الأبله.

* * *

وقد تمَّ هذا النظم مرتجلا به
في أوَّل يوم من الشهرِ وهوَ أُغسطسُ

(أُغسطس) معربة من (August) وبالأردية (اگست)، استعملها هنا معربة.

* * *

المصادر والمراجع

المصادر الورقية
1. قواعدِ أُردو ، للدكتور المولوي عبد الحق.
2. بحث في “مجالات الدراسات الأدبية المقارنة بين الأردية والعربية والفارسية” للدكتور إبراهيم محمد إبراهيم.
3. جامع فيروز اللغات، قاموس أردي-أردي، رتبه الحاج المولوي فيروز الدين رحمه الله.
4. تاريخ الأدب الأردي من البداية حتى عام 1750م، للدكتور جميل جالبي.
5. “تاريخ اللغة والأدب الأردي” للبروفيسور حميد الله الهاشمي .
6. دَكَّن میں اُردو، لنصير الدين الهاشمي.
7. تاريخ أدبيات مسلمي باكستان والهند.
8. نقوش سليماني، للسيد سليمان الندوي رحمه الله.
9. مجموعة مقالات منتخبة بعنوان أردو رسم الخط، مجتمع اللغة القومية- إسلام آباد- باكستان.
10. المهاتما غاندي محرر المقهورين، لعصام عبد الفتاح.

المصادر الإلكترونية
1. www.tebyan.net
2. http://ar.wikipedia.org

نشر هذا البحث في مجلة الآطام الصادرة عن نادي المدينة المنورة الأدبي في العدد الخامس والثلاثين

الحواشي

قواعدِ أُردو صفحة: 1، والمولوي عبد الحق هو السكرتير الفخري لمجلس تطوير اللغة الأردية، رحمه الله، وله مساهمات فعالة وكتب يتحدث فيها عن اللغة الأردية وتاريخها، ولد في عام 1870م، بدأ حياته الأدبية عام 1877م، عين رئيساً لقسم اللغة الأردية في الجامعة العثمانية حتى عام 1928م، أقام بحيدر آباد 43 سنة، وخدم اللغة الأردية حتى آخر عمره، ولذا لُقِّب بأبي اللغة الأردية. (من موقع: www.tebyan.net). [↩]
رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر. [↩]
النسبة إلى الآريين وهم قوم بيض غزوا شبه القارة الهندية عام 1500 ق. م تقريباً من جهة الشمال وبسطوا سلطانهم على المنطقة كلها، وامتدت سيطرتهم حتى عام 600 ق. م. (د/ أحمد محمود الساداتي- تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم – الجزء الأول - القاهرة- مصر 1957م- وانظر كتاب هندوستان پر اسلامى حكومت- لمؤلفه شوكت على فهمي ص 44- دهلى- الهند 1994م). [↩]
ومنها انبثقت الفارسية القديمة (بارسى باستان) ولغة الأوستا (زبان او ستائى). [↩]
يقول بهذا الرأى بعض من علماء اللغة الأردية مثل جرير سن- جولزبلاك وشترجى، ويربطون اللغة الأردية بلغة "اب بهرنش" التي كان يتحدث بها فى المنطقة العلوية لنهرى "كنكا وجمنا" منذ 1500 عام قبل الميلاد. (انظر د/ شوكت سبز وارى- اردو لسانيات ص 14- كراتشي- باكستان 1966). [↩]
بدأت حملات المسلمين غير العرب لشبه القارة الهندو باكستانية على يد سبكتكين مؤسس الدولة الغزنوية والذي كان غلاماً لألبتكين صاحب غزنة، جلب من تركستان إلى بخارى فنيسبابور، ثم خلف سيده عليها عام 367هـ/ 966م، وبعد وفاته في شعبان 387هـ/ 997م خلفه ابنه محمود الغزنوي الذي واصل حملاته على أرض شبه القارة، فغزاها سبع عشرة غزوة على مدى سبعة وعشرين عاماً فيما بين عامي 391هـ/ 1000م و 417هـ/ 1026هـ. (انظر تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم- الجزء الأول ص 76، 77، 78 وكتاب هندوستان پر اسلامى حكومت- ص117). [↩]
بحث في "مجالات الدراسات الأدبية المقارنة بين الأردية والعربية والفارسية" للدكتور إبراهيم محمد إبراهيم. ].

* * *

…. وهي امتزاج للحضارات العربية والفارسية والهندية، وعلامة منفردة لها، اجتمعت فيها صفاتها واتحدت فكانت قالباً واحدا، وقد نشأت إثر الضرورات الاجتماعية والثقافية والسياسية، واتخذها المسلمون لغتهم لضرورتهم إليها، فانتشرت معهم في شبه القارة الهندية ((تاريخ الأدب الأردي من البداية حتى عام 1750م ج/1، الطبعة السادسة، صفحة: 4. [↩]

ما تقارب تسع عشرة لغة بعضها من خارج شبه القارة الهندو باكستانية كالتركية، والإنجليزية، والفرنسية، والبرتغالية، وبعضها من داخل شبه القارة - وهي اللغات المحلية- كالسنسكريتية، والبنجابية، والهريانية، وبرج بهاشا، وكهرى بولى وغيرها. (الحاشية مقتبسة من مقال "مجالات الدراسات الأدبية المقارنة بين الأردية والعربية والفارسية"). [↩]
شهاب الدين محمد بن نور الدين شاه جهان،السلطان الاعظم والخاقان المكرم ابو المظفر شهاب الدين محمد صاحب المقام السامي شاه جهان خليفة المسلمين . المشهور بلقب شاه جهان (أي ملك الدنيا بالفارسية) (5 يناير 1592/1000هـ - 22 يناير 1666/1067هـ) هو أحد حكام الهند في القرن الحادي عشر الهجري. أشهر ما ترك هو تاج محل، ضريح زوجته ممتاز محل. (http://ar.wikipedia.org). [↩]
ما بين المعقوفتين مترجم ومقتبس من كتاب “تاريخ اللغة والأدب الأردي” للبروفيسور حميد الله الهاشمي صفحة 39. [↩]
مترجم ومقتبس من كتاب “تاريخ اللغة والأدب الأردي” للبروفيسور حميد الله الهاشمي صفحة 40. [↩]
مترجم ومقتبس من كتاب “تاريخ اللغة والأدب الأردي” للبروفيسور حميد الله الهاشمي صفحة 41. [↩]
في كتابه: (دَكَّن میں اُردو) صفحة 32-33. [↩]
إقليم جنوب الهند يحدد من الوحهة التاريخية بجميع أراضي الهند الواقعة جنوب نهر ناربادا وفي معناه الأضيق يقصد به الهضبة الواقعة وسط شبه الجزيرة الهندية فيشمل ولايات كارناتكا بأكملها وجنوب اندرا برادش وجنوب ماهارشترا وش تاميل نادو وتكثر زراعة القطن بهذا الإقليم لخصب تربته البركانية (ويكيبيديا). [↩]
مترجم ومقتبس من (تاريخ أدبيات مسلمي باكستان والهند)، 6/63-64. [↩]
السند (بالأردو:سندھ) هي إحدى أقاليم باكستان الأربع. عاصمة الإقليم هي مدينة كراتشي والتي تعد أكبر مدن البلاد. يجاور الإقليم من الشمال و الغرب إقليم بلوشستان، و تجاورها أيضا من الشمال إقليم البنجاب، أما من الشرق فتجاورها الهند. من الجنوب يطل الإقليم على بحر العرب. (ويكيبيديا). [↩]
كتاب نقوش سليماني للسيد سليمان الندوي رحمه الله صفحة 31، الطبعة الثانية. [↩]
البنجاب منطقة بين الهند وباكستان. ,وتعني كبمة بنجاب: “الأنهار الخمس” بيس، راوي ، سُتلج، تشناب وجهلم ؛ كلها روافد نهر السند ، جهلم هو أكبرهم . البنجاب لها تاريخ طويل وتراث ثقافي غني. شعب البنجاب يسمى البنجاب ويتحدثون لغة اسمه البنجابية. الأديان الرئيسية في منطقة البنجاب هي السيخية ، والإسلام والهندوسية، والقسم الأكبر من البنجاب مملوكة لباكستان (65 ٪ و 35 ٪ تسيطر عليه الهند) وهي أرض السيخ التاريخية حيث ولد فيها معلمهم الأول كُرو نانك مؤسس معتقدهم. (ويكيبيديا). [↩]
تاريخ الأدب الأردي من البداية حتى عام 1750م ج/1، الطبعة السادسة، صفحة: 3-4. [↩]
مثل جترجي- هيم جندر وغيرهما. [↩]
المقصود بأنها هندية هو أن اللغة الأردية ليست دخيلة على شبه القارة الهندو باكستانية، بل هى نابعة من داخلها. [↩]
يميل مؤرخو الأدب إلى أن لغة كهري بولي هي الأساس الذي بنيت عليه اللغة الأردية بشكلها الحالي. [↩]
المقصود هنا حروف الجر والإضافة وغيرها وليس الشكل الكتابي للحروف. [↩]
المقصود هنا لغة الحكومة الإسلامية المركزية التي كانت تحكم في شمال الهند من العاصمة دهلي، (منذ الغوريين، والمماليك، والخلجيين، وآل تغلق واللودهيين ثم الدولة المغولية) إذ أن الفارسية لم تكن اللغة الرسمية لغالب الدويلات الإسلامية المستقلة في الدكن (الدولة العادل شاهية- القطب شاهية- النظام شاهية) وإنما كانت الأردية هي اللغة الرسمية لهذه الدويلات. [↩]
الأحرف الديوناكرية أحرف تختلف تماما عن الأحرف العربية. [↩]
مقتبس ومترجم من موضوع "أردو رسم الخط" للبروفيسور محمد سجاد مرزا، المنشور في كتاب (أردو رسم الخط) صفحة: 165، والكتاب عبارة عن مقالات منتخبة نشره مركز مقتدره قومي زبان – إسلام آباد. [↩]
من الجدير بالذكر أن اللغة الفارسية ظلت اللغة الرسمية لشبه القارة الهندو باكستانية حتى بعد أوائل القرن التاسع عشر الميلادي إلى أن ألغتها شركة الهند الشرقية من البلاد بعد أن استحكم نفوذها وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من حكم البلاد، وأحلت محلها اللغة الأردية، ومع ذلك فقد أبدى بعض من سلاطين الدولة المغولية بشبه القارة اهتمامهم الشديد باللغة الأردية حتى أن (بهادر شاه ظفر: توفي 1862م) آخر السلاطين المغول كان شاعراً مجيداً بالأردية، وترك لنا بها شعراً كثيراً- انظر كتاب ترجمه اور اس كے مسائل- د/ اعجاز راهى- ص 45 إسلام آباد- باكستان 1990م. [↩]
خاصة في عهد الدولة العادلشاهية في منطقة بيجابور والتي تأسست عام 896هـ/ 1490م على يد السلطان يوسف عادل شاه وانتهت بقضاء أورنكزيب عليها وضمها إلى الدولة المغولية عام 1096هـ/ 1685م)، وكذلك في عهد الدولة القطب شاهية بمنطقة كولكنده والتي تأسست عام 916هـ/ 1509م على يد السلطان قلى قطب شاه وانتهت هى الأخرى بضمها إلى الدولة المغولية على يد أورنكزيب عام 1098هـ/ 1687م، وكذلك الدولة النظام شاهية (أحمد نكر) بالدكن والتي أسسها أحمد نظام شاه بحري عام 896هـ/ 1490م، وضمها المغول عام 1009هـ/ 1600م) وظهر فى عهد هذه الدول المسلمة التي حكمت في جنوب الهند العديد من الشعراء الكبار فى اللغة الأردية حتى أن كثيراً من سلاطين الدولة القطب شاهية - على سبيل المثال- كانوا شعراء كبار، وتركوا لنا دواوين وكليات، وعلى رأسهم محمد قلى قطب شاه (988هـ/ 1580م- 1018هـ/ 1610م) الذى يعد صاحب أول ديوان بالأردية. (انظر تاريخ أدب أردو- عظيم الحق جنيدي- ص 214- دهلي- الهند 1980، وكتاب هندوستان پر اسلامي حكومت- من ص 540 حتى ص 560. [↩]
كتبت اللغة الأردية في بداية أمرها ولفترة بسيطة بالحروف (الديوناكري) الهندية، ولم تكن تسمى بالأردية فى ذلك الوقت. (أنظر اردو لسانيات- د/ شوكت سبزوارى- ص 74- كراتشى- باكستان 1966م.). [↩]
اللغة الأردية لغة باكستان القومية والعلمية والثقافية، لكنها إلى الآن ليست اللغة الرسمية. (مجلة أخبار اردو- إصدار (مقتدره قومى زبان) مجتمع اللغة القومية- إسلام آباد- باكستان- المجلد 15- العدد 12 ديسمبر 1998م ص 6). [↩]
بحث في "مجالات الدراسات الأدبية المقارنة بين الأردية والعربية والفارسية" للدكتور إبراهيم محمد إبراهيم. [↩]
قسم الهندوس أنفسهم في أربع طبقات، وحسب اعتقادهم فإنها تقسيمات أبدية، وهي في (قوانين منو) على النحو التالي:
1- البراهمية: وهم الذين خلقهم الإله (براهما) من فمه، منهم المعلم، والكاهن، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج وغيرها من الحالات، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه، يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.
3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه، يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.
الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة. [مقتبس من كتاب: (المهاتما غاندي محرر المقهورين) لعصام عبد الفتاح ص 36، الطبعة الأولى 2008م دار الكتاب العربي]. [↩]
مقتبس ومترجم من مقالة بالأردية لمحمد معين الدين الوردائي من كتاب [أردو رسم الخط – المقالات المنتخبة] ص 85-86. [↩]

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية