الأحد، مارس 25، 2012

الظروف السياسية والتاريخية التي واكبت حرب 1956


مأمون شحادة


ما ان انتهت حرب 1948 حتى اصبح الجو مشحون بالقلق والتحضير للمستقبل لما سيحدث به من تطورات سياسية على ارض الواقع يتلوها عمل يجدد ظاهرة هذا القلق نعم انها حرب 1956 والتي اندلعت في وقت كانت توقع فيه اتفاقيات الدفاع العربية المشتركة والتي سبقها عدت امور سياسية جسدت كل معاني هذا القلق ما بين الاطراف المتنازعة ليميز تلك الحرب بمكاسب سياسية و مكاسب عسكرية وضغوط ومصالح دولية .
لقد كانت حرب 56 نقطة تحول في تاريخ منطقة الشرق الاوسط اذ انهى قبضة الاستعمار الفرنسي البريطاني على المنطقة العربية وفتح المجال امام كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي ( السيوز ) للدخول فيها كقوتين عظيمتين للحفاظ على منجزات الحرب العالمية الثانية مما يدل على ان هذه الحرب لها ظروف سياسية وتاريخية واكبت السبب والمسبب لاندلاع هذه الحرب .
ففي وقت اخذت مصر على مراقبة المرور البحري والبري الذي يمر عبر اراضيها في بداية الخمسينات حيث لم يرق ذلك للاسرائليين لانه يعتبر من وجهة نظرهم انه كالحصار عليها حيث ازدادت فيه التحرشات الاسرائيلية بالجانب العربي وما سبقها من هزيمة 1948 والتي سببت شرخا في نفسية المواطن العربي والتي في وقتها ازدانت اسرائيل فخرا بانتصارها حيث اخذت تمهد لتغذية قواتها بالاسلحة لتكون اقوى دولة في الشرق الاوسط فارضة كل شروطها على المناطق المحيطة ففي اثناء هذا التباهي بالانتصار اجتاحت المنطقة انقلابات عسكرية في كل من سوريا والعراق ومصر ومما اثر على تلك المنطقة الانقلاب الذي قام به ضباط من الجيش المصري عام 1952 حيث مثل انقلابا على الوضع المزري السياسي والاجتماعي للوطن العربي عامة ولمصر خاصة حيث كان الشارع المصري محبط من الوجود البريطاني في قناة السويس والذي كان يعتبره الاسرائيليين انه حاجز ما بين مصر واسرائيل وكان اول مطلب لهاؤلاء الضباط ان مصر لن تكون حرة وذا سيادة حقيقية الا بجلاء القوات البريطانية عن قناة السويس فاتفق الجانبان المصري والبريطاني في 1954 على تنسيق عملية الجلاء بعد عدة مفاوضات مضنية حيث ان امريكا هي التي قامت باقناع الجانب البريطاني على الجلاء وذلك لتحقيق سياسة الاحلال في المنطقة مما اثار حفيظة اسرائيل من جراء ذلك خوفا من ان يتغيير ميزان القوى في المنطقة فحاولت تعطيل عملية الانسحاب لكن مساعيها فشلت وانتهت الامور بخروج القوات البريطانية من قناة السويس بتوقيع اتفاقية تعاون مما جعل من مصر ذا سيادة وذا كيان مستقل جاعلا من الجانب الاسرائيلي ينتابه نوع من القلق الامني .
جعل ذلك الانسحاب من مصر لان تنطلق بحرية العمل من على اراضيها وذلك بعقد المعاهدات واتفاقيات الدفاع المشترك ما بين مصر وبعض الدول العربية مما ادي الى امتعاظ الجانب الاسرائيلي من جراء ذلك متخوفة على امنها وسلامة اراضيها من هذه المعاهدات فترافق هذا مع ما قامت به مصر من كسر قاعدة احتكار الاسلحة بعدما رفضت امريكا وبعض الجوانب الغربية عقد صفقات اسلحة مع الجانب المصري اذ اعتبرته بريطانيا منافي لاتفاقية الجلاء حيث ان امريكا كانت تطمح الى صياغة اتفاق تعاون ما بين المصريين والاسرائليين وفق سياسة امريكا في التحضير لترتيب المنطقة سياسيا وفق ضم اسرائيل في المنطقة لكن جمال عبد الناصر كانت له احلامه وطموحاته في تلك الاوقات ببعث واحياء القومية العربية من خلال اقامة الوحدة العربية وفق وحدة اشتراكية تجمع الوطن العربي والتي من خلالها سيتم هزيمة اسرائيل مما بدد حلم امريكا في اقامة الوفاق ما بين الطرفين مما جعل مصر تتوجه الى الجانب الشرقي عام 1955 بعقد اتفاقية شراء اسلحة من تشيكوسلوفاكيا الروسية الاصل مما خلق ضربة للوجود الغربي في المنطقة والذي شكل نقطة تحول كبيرة في الشرق الاوسط في امتلاك الاسلحة لكن مصر كانت غير راضية على هذه الصفقة خوفا من ان يقال صبغت اشتراكية الثورة بالصبغة السوفيتية ( الشيوعية ) وتكون تابعة لها ويضاف الى ذلك ان السوفيت كانوا مناوئين لمبدأ القومية مما اضفا نوع من التخوف من قبل عبد الناصر في وقت كان السوفيت منشغلين في ترتيب اوضاعهم الداخلية وقضية المجر. ونحن غير متناسين السعي الاسرائيلي ما بين عام 1948 وعام 1956 للحصول على الاسلحة والمعدات لقواتها المسلحة للحيلولة دون حصول البلدان العربية على اسلحة تكفل لها التفوق على اسرائيل فبذلك يتبين ان اسرائيل سعت منذ البداية الى تفعيل المعونات القادمة من الخارج ليس من جهة الاسلحة فقط وانما المعونات الاقتصادية ايضا والتي تساعد على استيعاب المهاجرين وتعزيز البناء السياسي و الاقتصادي مما شجعت اسرائيل على الهجرة الجماعية اليهودية والذي ترافق مع ازدياد الاعتداءات الاسرائيلية وما ينتابها من مجازر ومذابح على ارض فلسطين وعلى الجانب المصري في غزة والتي تهدف الى هجرة اهلها حيث رافقها عمليات تحرش بالجانب المصري جعل من الجانب المصري متمسك بعملية التسلح وتقوية دفاعاته وتنشيط ظاهرة مجموعات التسلل الفدائي ضد الصهاينة في منطقة غزة مما خلق جو من الارتباك ما بيت الطرفين المصري والاسرائيلي .
ففي تلك الفترة كانت الحرب الباردة محتدمة ما بين القطبين الامريكي والسوفيتي وهذا يدل على الصراع الامريكي السوفيتي وفق عملية الاحلال في المنطقة , وكانت دوامة الاحلاف الغربية العربية ناشطة في منطقة الشرق الاوسط حيث تزعمت مصر التيار المناهض لتلك الاحلاف مثل حلف بغداد عام 1955 برعاية امريكية بريطانية والذي ادى الى صراع مصري سوري عراقي حول هذا الحلف ومن الواضح ان مسعى جمال عبد الناصر كان مناهض ايضا للانظمة الملكية في المنطقة فسعى الى تغيرها من خلال تشكيل الضباط الاحرار داخل جيوش تلك الانظمة مما اعتبرته الجهات الغربية تحد لها ولنفوذها في المنطقة .
 ففي تلك الاثناء نشأة حركة عدم الانحياز التي دانت مشروع اسرائيل الاستعماري والقائم على التوسع على حساب الدول العربية فاصبحت مصر من جراء ذلك رائدة حركة عدم الانحياز في العالم الثالث والداعم لحركات التحرر العالمية فاصبحت مصر قبلة الثوار ومصدر ازعاج للدول الغربية واسرائيل مما جعل اسرائيل وبريطانيا وفرنسا متخوفون على وجودهم في المنطقة مع تخوف امريكي متصاعدا خوفا من ظهور قوة ثالثة وهي مصر .
ومع الاضطراب الدولي والتنافس السوفيتي الامريكي لم يكتشف العالم ان هنالك مسألة سياسية خارجية لامريكا وذلك باخراج الاحتلال القديم في المنطقة واستبداله لاسباب التالية:
1. اكتشاف النفط في الوطن العربي .
2. الامتيازات التي حصلت عليها الشركات الامريكية في الوطن العربي .
3. فشل العمل الاستخباراتي الامريكي اثر حادثة بيل هاربر .
4. اهتمام امريكا بالسياسة الخارجية مع البدأ بانشاء اجهزة امنية .
5. الاهتمام الامريكي من اجل خطة مارشال واتفاقية الغذاء .
6. اصبحت المنتجات الامريكية ارخص بكثير من المنتجات البريطانية والفرنسية .
7. اخراج الاحتلال القديم من المنطقة والاحلال محله في محاولة اقصاء الجانب السوفيتي .
ومن اجل ذلك قامت امريكا بادخال سياسته في المنطقة من اجل حماية المنطقة من المد الروسي وفق سياستين :
· سياسة الاحتواء : وذلك لحماية المنطقة العربية من التقدم السوفيتي .
· سياسة الردع : وذلك لردع الوجود السوفيتي في المناطق المتواجد فيها مثل منطقة كوبا .
وكل تلك السياسات كانت تهدف لانشاء تحالفات وقادة لردع السوفييت ( السيوز ) وفق سياسة الاحتواء والردع
ففي هذا الوقت من تلك الاحداث كانت مصر عازمة على انشاء مشروع السد العالي بمساعدة من الامريكان والبنك الدولي , فقررت امريكا والبنك والدولي سحب تمويلها لمشروع السد العالي وذلك لان مصر لم تنخرط في حلف بغداد وكذلك رفضت ان تتماشى مع المصالح الامريكية وانه كان هناك منافسة ما بين الانتاج المصري والانتاج الامريكي للقطن حيث ان القطن المصري ذا مواصفات عالية وافضل من القطن الامريكي وانه في حال بناء السد العالى سوف يزيد انتاج القطن المصري فيضرب القطن الامريكي اقتصاديا مما سبب نوع من الاحباط في الشارع المصري بسبب هذا القرار الامريكي فقررت مصر من جراء ذلك تأميم قناة السويس ردا على القرار الامريكي والبنك الدولي وذلك لكي توفر الاموال اللازمة لبناء السد العالي مع العلم ان جمال عبد الناصر كان غير راض مما يجري في القناة وفق ما كان متبعا من سيطرة الشركات الغربية على القناة والذي يؤدي الى خسارة للاقتصاد المصري.
وهكذا توافرت الاسباب والعوامل لتتفق بريطانيا وفرنسا واسرائيل ( الترويكا الحربية ) على محاربة مصر وكان العاملان الاتيان من اهمها واكثرها اثرا في جعل الحرب ضد مصر امرا ممكنا :
1 ) نجاح اسرائيل في الحصول على كميات ضخمة من الاسلحة بدات تتدفق اليها من الجانبين البريطاني والفرنسي.
2 ) القرار الذي اتخذته بريطانيا وفرنسا بالتدخل عسكريا ضد مصر اثر قيام الحكومة المصرية بتاميم شركة قناة السويس .
فمن ذلك يتضح ان بريطانيا تسعى لحماية مصالحها بعد اعلان تاميم القناة . واما فرنسا فكانت شديدة الرغبة في التخلص من نظام الحكم الوطني في مصر والذي يشجع الثورة الجزائرية ويؤازرها واما الاسرائليين فكانوا يطمعون بمشروع توسعي في المنطقة مع توجيه ضربه قاسمة للجيش المصري من اجل امنها وهكذا التقت الاهداف الاستعمارية لاسرائيل والغرب في المنطقة التقاء واقعيا ملموسا مع العلم ان اسرائيل وظفت كل السياسات لخوض حرب المبادأة والمرونة ضد مصر منفردة مما جعل اسرائيل تؤجل حربها ضد مصر بسبب التقاء المصالح الاسرائيلية الغربية.
لكن كان هناك امور كان يخطط لها الجانب الاسرائيلي من وراء هذه الحرب :
· تامين الممرات المائية لصالحها .
· القضاء على المتسللين الفدائيين والمدعومين من الجانب المصري .
· الحصول على اعتراف من الدول العربية ا اعلاميا بما يسمى " دولة العدو " وليس لفظ كلمة "عدو " كما حدث في 1948 .
· تعزيز الوجود الاسرائيلي اقليميا وافراغ الحدود بين الجانبين في سيناء من العنصر المصري .
· القضاء على النظام السياسي المصري .
وما ان بدأت مظاهر الحرب تلوح في الافق لتبين ان اسرائيل تملك في يدها القوة الضاربة كلها لكي تستخدمها في تنفيذ خطة عملياتها الحربية ( قادش ) لتتلاقى مع شريكتيها بريطانيا وفرنسا بقوتين عظميتين وبخطة كاسحة ( موستيكير ) . فيما كانت مصر قبيل اندلاع الحرب في ترقب وتربص وحيرة من الاحتمالات التي تراود ذهنها من جراء تخمين قوة العدوان .
وهكذا انطلقت حرب المئة ساعة لكي تتوزع المهام اسرائيليا فرنسيا انجليزيا على ارض المعركة حاملة معها كل السياسات المخطط لها على ارض الواقع وبطريقة التحايل السياسي المراوغة السياسية عن طريق تدخل فرنسا وبريطانيا لفض النزاع ما بين اسرائيل ومصر من خلال توجيه انذار للطرفين بوقف سير المعركة والا تدخلت القوتين ضد الفريق الذي لم يلتزم بالانصياع لذلك الانذار مع العلم انها كانت تهدف الى القضاء على الجيش المصري وذلك بتصفيته على ارض الواقع في سيناء بيد الجيش الاسرائيلي مترافقا ذلك بانزال القوات الانجلوفرنسية في منطقة بور سعيد لكن سياسة المعركة تحولت بسحب الجيش المصري من سيناء وتحويل المعركة في بور سعيد الى معركة شعبية يخوضها ابناء مصر عن طريق العمل الفدائي ضد قوات التحالف مما غير ميزات الخطط المعدة في هذه المعركة .
وهكذا خرجت مصر من الحرب منتصرة سياسيا اذ اضطرت بريطانيا وفرنسا واسرائيل تحت ضغط الراي العام العالمي والضغوط التي مارستها الامم المتحدة والاتحاد السوفيتي الذي هدد باستعمال القوة ضد فرنسا وبريطانيا واما امريكا اذ اعتبرت هذا العدوان احراجا لها في المنطقة ( من زاوية المصلحة في ترتيب المنطقة ) الى ايقاف الحرب ثم انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من منطقة بور سعيد . واذا نظرنا الى الحرب من ناحية قياس نتائجها السياسية على اهدافها تبين لنا ان الحليفين البريطاني والفرنسي خرجا من الحرب بخسائر سياسية وعسكرية فقد انسحبا من الارض التي احتلاها ومسح وجودهما من المشرق العربي دون تحقيق اي مكسب سياسي او عسكري في حين ظفرت مصر بتمصير قناة السويس وبدل ان يسقط نظام جمال عبد الناصر سقطت حكومة إيدن البريطانية سقوطا مهينا ثم تبعتها حكومة غي موليه الفرنسية فضلا عن الشجب العالمي الذي تعرضت له الدولتان . وعلى الجانب الاسرائيلي انسحبت القوات الاسرائيلية من المناطق التي احتلتها غير محققة اهدافها التوسعية باتجاه سيناء وتدمير الجيش المصري مع القضاء على النظام السياسي المصري لكنها نجحت بمكاسب سياسية وتحت الاشراف الدولي وهي :
· فتح مضائق تيران امام الملاحة الاسرائيلية .
· ايقاف النشاط الفدائي من قطاع غزة .
· الحصول على اعتراف الدول العربية بان اسرائيل دول العدو حيث انها لم تاخذ هذا الاعتراف من الدول العربية سنة 1948 .
· اقامة منطقة منزوعة السلاح بمسافة 10 كلم ضمن الحدود المصرية لتسيير القوات الدولية عليها ويعني هذا انها حدود متنازع عليها وانها حدود فاصلة بين دولتين.
والوضح من الناحية السياسية ليس من السهل القول قولا حازما وقاطعا ان اي طرف من الاطراف هو الرابح وحده دون غيره في هذه الحرب وذاك هو الخاسر دون غيره ولعل السبب يرجع الى ان هذه الحرب من الحروب النادرة التي تشابكت فيها العوامل السياسية والعوامل العسكرية والعوامل الدولية تشابكا ادى الى ان تكون النتائج التي انتهت اليها الحرب على غير ما كان يتوقع الحلفاء . وبالمعنى الصحيح ان ما انهت اليه حرب 1956 هو ان اسرائيل انتصرت وكسبت احيانا وهزمت وخسرت احيانا اخرى وان مصر انتصرت وكسبت و هزمت وخسرت احيانا اخرى .
دراسات اقليمية
بيت لحم – فلسطين
wonpalestine@yahoo.com

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية