ماكس بوت
لسنوات ظل المعارضون لحرب العراق يقولون إنها تمثل استنزافاً للموارد الأميركية، وإنها حرب لا يمكن الفوز بها في حين أن الحرب الحقيقية الجديرة باهتمام الولايات المتحدة هي الحرب في أفغانستان. ولكن بعد التقدم المشجع الذي تحقق في العراق، وبعد أن بدأنا أخيراً نرسل المزيد من القوات إلى أفغانستان، أصبحنا نسمع من المنتقدين تلك الحجج نفسها التي استخدموها من قبل للدعوة إلى انسحاب جزئي أو كلي من العراق.
فأفغانستان، كما يخبرنا هؤلاء المنتقدون "مستنقع ميؤوس منه"، وهي أيضاً "فيتنام أوباما"، كما ستمثل "بالوعة تستهلك موارد لم يعد في مقدور الجيش أو الحكومة الأميركية خسرانها". والمتشككون، ومنهم كثير من العسكريين المحترفين، يرون أننا بحاجة إلى تخفيض سقف أهدافنا في أفغانستان، مؤكدين أن تأسيس ديمقراطية ناجحة في بلد إسلامي متخلف يعد هدفاً مبالغاً في طموحه. والهدف المعقول في نظر هؤلاء العسكريين، هو: "الضغط على ملاذات طالبان والقاعدة على حدود باكستان المجاورة، وفي الوقت نفسه تخفيف درجة التركيز على الهدف طويل الأمد المتعلق بتعزيز الديمقراطية".
ولكن لا تنزعجوا، فنحن -كما يقول الرافضون- لازلنا قادرين على تحقيق أهدافنا الجوهرية في أفغانستان. فـ"جورج فريدمان" من مؤسسة "ستراتفور" الخاصة للأعمال الاستخبارية على سبيل المثال رأى في مقال كتبه في "نيويورك تايمز" أن أفغانستان: "تتطلب استخبارات، وقوات عمليات خاصة وقوة جوية قادرة على الاستفادة من المعلومات الاستخبارية.. وأن محاربة الإرهابيين تتطلب التعرف على الأهداف الصغيرة والمتفرقة والعمل على تدميرها، وستحتاج أميركا إلى أعداد أقل بكثير جداً لتنفيذ هذه الأهداف مقارنة بالأعداد التي تنتشر في ذلك البلد حالياً".
كان القول الذي يتردد بكثرة هو أننا نكسب الحرب في أفغانستان ونخسرها في العراق، أما الآن فقد بتنا نسمع العكس تماماً.
ولكن هل بناء الديمقراطية في أفغانستان مشروع غير عملي حقاً؟ لقد قيل هذا الشيء عن العراق قبل أن يتبين خطؤه في النهاية. صحيح أن إجراء انتخابات في العراق لا يمثل إكسيراً سحرياً، ولكن ليس هناك شك في أنه وبمجرد أن تحسنت الأوضاع الأمنية في ذلك البلد، فإن العملية السياسية فيه بدأت تعمل، كما بدأت طوائفه المتنافسة في حل مشكلاتها من خلال التسويات والمصافحات وليس من خلال القنابل.
وشكلت الانتخابات الأخيرة فرصة لصعود القوى الوسطية والعلمانية في العراق التي تبتعد في أجندتها كثيراً عن القوى المتطرفة. وكما أدى تحسن الأمن إلى تكريس العملية الديمقراطية وسيؤدي ذلك على المدى الطويل إلى تكريس الاستقرار.
أما تنصيب رجل متسلط على نمط العهد البعثي فلم يمثل خياراً جدياً في العراق في أي وقت، وهو ما ينطبق أيضا على أفغانستان.. ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "آسيا فاونديشن" وافق85 في المئة من عينة البحث من الأفغان على أن "الديمقراطية قد تكون لها مشكلاتها، ولكنها أفضل من أية صيغة أخرى للحكم".
ثم ماذا عن الحجة التي تقول إننا لسنا بحاجة إلى المزيد من القوات في أفغانستان؟ أليست حفنة من قوات العمليات الخاصة قادرة على الحيلولة دون استيلاء المتطرفين على مقاليد الأمور في أفغانستان؟ إن الرد هو أننا قد جربنا ذلك في العراق بدءاً من عام 2006، عندما انسحبت القوات الأميركية إلى قواعد كبيرة تقع خارج المدن، في حين قامت قيادة العمليات الخاصة المشتركة بتنفيذ عدد من الضربات على عدد من الأهداف، ولكن هذا الأسلوب لم يحقق نجاحاً، ذلك أنه كلما كان يتم القضاء على قيادة إرهابية في مكان ما كانت هناك أخرى جديدة تبرز في مكان آخر. وقد تم تحويل مسار المجهود الحربي في العراق، من خلال زيادة عديد القوات الأميركية، وتدريب وتجهيز المزيد من القوات العراقية. وفقاً للأسلوب الجديد كان من المفترض أن يقوم العراقيون العاديون بإجبار الإرهابيين على الخروج من مخابئهم بعد تطمين العراقيين العاديين بأن القوات الأميركية والعراقية ستحميهم من أية أعمال انتقامية. وبسرعة أثبت هذا الأسلوب جدواه لأن عناصر مكافحة التمرد التي تعيش وسط السكان هي فقط القادرة على الحصول على المعلومات، وكذا التعرف على المتمردين.
وهذه الحقيقة الأساسية غابت عن أذهان القادة العسكريين إبان إدارة بوش بدءاً من رامسفيلد فما دون، حيث كانوا يخشون أن تؤدي زيادة عديد القوات إلى زيادة إحساس العراقيين بجسامة الاحتلال، وهو التخوف نفسه الذي يعبر عنه وزير الدفاع الحالي روبرت جيتس الآن. وفي رأيي أنه ليس هناك ما يدعو لذلك التخوف إذ أن سياسة زيادة عديد القوات مثلما لقيت ترحيباً في العراق، يتوقع أيضاً أن تلقى ترحيباً مشابهاً في أفغانستان.
وحتى فترة قريبة نسبياً كان القول الذي يتردد بكثرة هو أننا نكسب الحرب في أفغانستان ونخسرها في العراق، أما الآن فقد بتنا نسمع العكس تماماً. بيد أن ما نسمعه اليوم ليس أقل خطأ مما سمعناه من قبل حيث إننا نستطيع أن نكسب في أفغانستان كما نكسب الآن في العراق، والمفتاح لذلك كله هو أن يتجاهل صناع السياسات الرافضين والمنتقدين والمشككين ولا يأبهون لما يقولونه الآن أو مستقبلاً عن الخسائر أو غيرها.
وينبغي أن نعرف أن زيادة عدد القوات في أفغانستان ستصحبها زيادة في الخسائر في المدى القصير، ولكن ينبغي أن نعرف أيضاً أنه إذا لم يفقد أوباما رباطة جأشه فإن الاحتمال الأكبر هو أن هذه الاستراتيجية الكلاسيكية لمواجهة التمرد، إذا ما تم دعمها من خلال مستويات كافية من القوات، يمكن أن تغير القصور الحالي في المجهود الحربي في أفغانستان إلى النقيض.
0 comments:
إرسال تعليق