الجمعة، مارس 23، 2012

لبنان.... بالأبيض

الحياة السياسية في لبنان تعيش على العواصف، حتى لتخال انها العصب لها، بل الروح المحيية، وكأن الساسة لا يهنأون بالعيش ولا يستطيبونه، إلا إذا كانت «العواصف» و«السجالات» والقصف يأخذ عزه ومجده بينهم.وطبعاً ذلك يكون على وسائل الإعلام، أما في الحقيقة، فالصفقات والتسويات وتقسيم الجبنة «ضارب طنابو» بينهم.ولكن من أجل الحفاظ على الشارع «مشدود العصب، و«متأهب»، فلا بديل عن أيديولوجية «رفع السقوف»، والقصف الممنهج، وحروب «الإلغاء» التي لم تنته مطلقاً من الأدبيات، وإن تغير أطراف الصراع، لا بوصول طواقم جديدة، معاذ الله، بل بتنحي البعض من «المحاربين السابقين» عن الإيديولوجية القتالية، إلى النضال اللاعنفي، في خطوة رائدة.
أي ملف في لبنان ليس شائكاً، اي ملف لا يهدد بالتوتير والتفجير، وتهديد السلم الأهلي والعيش المشترك، من تعيين حاجب، إلى تجليس كوع، إلى تغيير موظف، إلى انتخاب رئيس. وكأن «الصيغة» هي ما يرتأيه بعض ما يسمى بأقطاب، إختصروا بزعمهم آراء أربعة ملايين لبناني في الداخل، عدا الإثني عشر مليونا في المهاجر.ونهجوا باللبنانيين منهج أن ما نقرره نحن هو الصواب، مع أن روح الله المسيح قال «أن إرادة الشعب هي مشيئة الله» ويستهدف «حمايتكم»أي «حمايتنا».حمايتنا ممن؟ من الشريك في الوطن، الذي كنا وأياه قبل أن يكونوا، ولا نزال وسنبقى، وهم سيزولون، وسيرحلون.
أما العاصفة التي أنا بصدد الحديث عنها فهي مختلفة قليلاً، هي عاصفة حملت ثلجاً أبيض من قمم الجبال العالية، إلى شاطىء البحر في منطقة الجية، عاصفة كست لبنان بالأبيض من أم رأسه إلى أخمص قدميه، فافتعلت من الخسائر ما افتعلت، وعزلت من القرى ما عزلت، وقطعت من الخطوط الكهربائية ما قطعت، وشلت الحركة، باختصار، فعلت العاصفة البيضاء في لبنان ما فعلت.
في جولة قمت بها في بعض القرى والبلدات التي تأثرت بالعاصفة، مشاهدات رائعة. فقد اكتست الطبيعة برداء أبيض ناصع، من الثلج الناعم، حجب مشاهد التشويه الممنهج لها، وأتى إنعكاس أشعة الشمس الخجولة عليها ليزيدها خفراً وحياء.مشهد، بالإضافة إلى الهدوء والسكينة الذي يبعثه في القلب، يمجد الخالق على خلقه.وقد تكدست الثلوج بفعل الرياح، في ما يسمونه «منسف ثلج» وصل في بعض الأحيان إلى علو متر أو أكثر، علماً أن صديقاً لي يسكن قريباً من مناطق التزلج ذكر ان إرتفاع الثلوج بلغ خمسة أمتار في مناطق التزلج.
الأشجار نائت بثقل الثلوج عليها، وتكسر بعض أغصانها بتأثير الصقيع المتواصل بكريات الثلوج،مما ذكرني بالمواطن اللبناني الذي نائت كواهله بحمل خطايا الساسة بحقه، الأرض «منهنهة» لكثرة الهواطل عليها، ذكرني بدموع المشردين والمعذبين والمهانين والعاطلين عن العمل في بلادي، لأن «لا واسطة لهم».
آراء المواطنين الذين حاورتهم تفاوتت، وإن اجتمعت على بعض المصطلحات، فالسؤال «كيفكن بهالرحمة، أو بهالنعمة»، فالثلوج نعمة، «خميرة الأرض» كما يقولون. ولكنها تصبح نقمة إذا كان الطفل مريضاً، والطريق مقطوعا إلى أقرب مستشفى.البرد «بوقتوا» ولكنه يصبح داءً إذا غاب المازوت الصالح للتدفئة من خزاناتهم، ومن المحطات.
ندر من قابلته، ولم يوجـه من الكـلام ما أستحي من إعادته، لوزارة الطاقة، ووزيرها الصديق، وحتى لتكتل التغيير والإصلاح. ولا أنـفي مسؤولية التوجهات السياسية للمـواطنـين في بوصلة الشتائم باتجاه الوزير، فنحن شعب، نستحلي الجورة في الشارع، ونستلذ قطع الكهرباء إذا كان الوزير حليفاً، ولأنه، ومع الأسف، معظمهم فاسدون، وجلهم سارقون.وهذه المرة أضيف إلى سلسلة المشتومين أصحاب المولدات، الذين استغلوا الغياب المستمر للكهرباء، وقننوا «الإشتراك» أيضاً، وشو «وقفت عليي»؟
والطامة الكبرى في المازوت، وحصلت معي شخصياً، فالمحطة القريبة امتنعت عن تعبئة «برميل» لي، بحجة أن لديها فقط قليل من الليترات، ويتعين أن يوزعها على أكبر عدد ممكن من الزبائن، وعلى كل حال، سأفرد مقالاً خاصاً للحديث عن هذا الملف، وإنما بعد استكمال المعطيات العلمية عنه.
لبنان بالأبيض، ولولا خوفي من تحول المقالة السياسية إلى مقطوعة شعرية، وما أكثر من تتقيأ قرائحهم بالكلام العفن البالي الذي أكل عليه الزمان وشرب،لولا خوفي من ذلك، لقلت ما لبنان، ما عروس الشرق، وكيف يجب أن يكون، ولكني لا أحب اليجبيات والينبغيات واليقتضيات.ولكن إن نفعت الذكرى، مجموعة «تحبيذات»، ورب اشهد إني بلّغت...
أيها الثلج، لم لا تزور ساستنا العظماء،وأنت المعروف بالخميرة للأرض، لماذا لا تخمّر بالخير نواياهم علينا من أجل أن يرحمونا «بقى».بيّض أيها الثلج قلوبهم، أضىء ببياضك الناصع عقولهم، لتتوجه باتجاه آخر، غير اتجاهها إلى دعم سعيهم الدؤوب إلى سرقتنا.
حبذا أيها الثلج، لو أطفئت ببرودة قلبك «سخونة» الملفات العالقة، حبذا لو انعكست، ببهاء وجهك، على بشاعة مسرحية «الإنقسام» الهزلية. قل لهم يا ثلج أنه، لسخف عقولهم يعتقدون أنهم على الناس يضحكون، وبمصائر اللبنانيين ولبنان يتلاعبون، ولحفظ عروشهم بدماء وأرواح اللبنانيين المقهورين يساومون ويقامرون.
هات جليدك، أيها الثلج، وضعه تحت المقاعد التي نائت بحمل أثقالهم، علها تزحزحهم عنها...علهم عنها يرحلون.لبنان، مع كل ما نـاءت به جبالك ووهادك من الثلج والبرد، ولكن ذلك بشارة بالقادم، بشارة أن الربيع آت آت آت....
غسان بو دياب "الديار"

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية