وفي ذات السياق فإن موسكو ـ رغم ما تدعيه من موقف محايد تجاه الأزمة السورية ـ فإنها تواصل إرسال شحنات الأسلحة إلى النظام السوري، وتقف إلى جانبه وتقدم له المساعدات العسكرية والأمنية واللوجستية والمخابراتية، وترصد أقمارها وطائراتها التجسسية تحركات عناصر الجيش الحر ونقاط الاحتجاج الملتهبة، وتراقب أجهزة الاتصالات المتواضعة التي يمتلكها المحتجون وتشوش عليها وعلى وسائل الإعلام المستقلة والمحايدة، التي تنقل مجريات الأحداث في سورية بصدقية ومهنية عالية، كما حالت دون إدانة المجتمع الدولي للنظام أو فرض عقوبات اقتصادية ضده في مجلس الأمن الدولي، باستخدام الفيتو لمرتين متتاليتين ضد قرارين كانا يطالبان بوقف العنف وإدانة النظام السوري لقمعه الدموي للمحتجين السلميين، والتهديد بفرض بعض العقوبات الرادعة إن لم يستجب لمطالب المجتمع الدولي في وقف العنف وسحب الجيش من المدن وعدم التعرض للمظاهرات السلمية وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين.
هذا التناقض العجيب في السياسة الروسية الوقحة والمتلونة تجعلنا نصنف موسكو بأنها الرديف الأول للنظام السوري والشريكة له في ارتكاب هذه الجرائم البشعة، بالسلاح الذي تقدمه له والخبرات التي تضعها تحت تصرفه والفيتو التي تستعمله لتحول دون تحرك المجتمع الدولي لإنقاذ الشعب السوري، الذي ما زال ولأكثر من سنة يذبح على يد شبيحة هذا النظام ومجرميه وقتلته من الوريد إلى الوريد.
لقد اتخذت موسكو القرار الخطأ عندما وقفت إلى جانب النظام السوري الباغي، وأدارت ظهرها للشعب السوري المنتفض الذي ثار مطالباً بالحرية والكرامة، وروسيا هي من ذاقت الويلات من النظام الشيوعي الشمولي لأكثر من سبعين سنة واكتوت بناره وثارت عليه، وتحققت للشعب الروسي أمانيه، وفاز بالحرية والكرامة التي قدم على مذبحها الملايين من شبابه ونسائه ومفكريه ومثقفيه، وكان الأجدر بموسكو أن تتحسس معاناة الشعب السوري من نظامه الاستبدادي والسادي الشمولي وما عاناه لأكثر من أربعين سنة من حكمه الديكتاتوري، وأن من حق الشعب السوري أن يتنسم الحرية كما تنسمها الشعب الروسي، وأن يقيم دولته المدنية وينسلخ عن الدولة البوليسية الكريهة التي نال الشعب الروسي الكثير من أتونها وتقلب في أوار لهيبها، فليس الشعب السوري أقل حضارة ومدنية من الشعب الروسي وتاريخه يشهد له بذلك، وأن من حقه أن يساعده العالم وفي مقدمته الشعب الروسي في الانعتاق من هذا النفق المظلم الذي عاشه في كنف قهر هذا النظام الباغي لسنين طويلة مليئة بالعذابات والجراح!!
محمد فاروق الإمام
0 comments:
إرسال تعليق