ما أغلى الحياة يا هناء! حتى أصغر الكائنات على وجه الأرض تدافع عن كيانها، وتحرص على بقائها، فكيف احترت أنت الأسيرة الفلسطينية بملء إرادتك الامتناع عن الطعام، والتضور شوقاً للحرية، بينما الجوع يقرض أنسجة بنيانك، ويقوّض حياتك!
من الذي يغذي لديك إرادة الصبر، واحتمال وجع الجوع يا هناء الشلبي؟ وما الذي يفجر لديك طاقة التحدي، ويشجعك على القفز من مربع السكينة إلى فسحة التمرد؟ لماذا قررت أن تلقي بنفسك طائعة في أتون الجوع الذي يسكن تحت الجلد، ولا يفارق المفاصل على مدار اللحظة؟ كيف تصمدين ودمك يعتصر الوجع مع كل نبضة قلب؟ وكيف جفاك النوم وقطع اللحم الآدمي تذوب أمام ناظريك؟ ويئن عظمك بالإضراب عن الطعام مع كل حركة؟.
عندما يصوم المسلم نهاراً واحداً عن الطعام في شهر رمضان، تظل خلاياي جسمه تنادي الطعام! فكيف تمتنع امرأة عربية أسيرة من تلقاء نفسها عن الطعام لأكثر من اثنين ثلاثين يوماً، يتواصل ليلها مع نهارها؟ ألا يعني ذلك أن المرأة المسلمة قد ضاقت من وجع معنوي أشد من وجع الجوع؟ ألا يعني ذلك أن للإنسان طاقة هائلة، وقوة تتفجر من الضعف طالما اعتمر قلبه بالإيمان، وآمن بعدالة قضيته؟ ألا يعني ذلك أن ذرائع البعض عن ضرورة التسليم بالأمر الواقع، والاعتراف بإسرائيل هي ادعاءات كاذبة، تعيش في رأس مطلقها؟ وقد تمكنت الأسيرة الفلسطينية هناء الشلبي من نسفها!.
وعندما تقف فتاة فلسطينية وحيدة، أسيرة ومعزولة، وتتحدى الموت اليهودي الزاحف على كل بلاد العرب، وترمي من خلف قضبان السجن حياة يحرص الآخرون عليها بكل ما يمتلكون، ألا يعني ذلك أن كثيراً من رجال العرب ماتت نخوتهم، وانطفأت كرامتهم، وغابت شهامتهم، وخمدت في نفوسهم شهوة البقاء أحراراً على وجه الأرض؟.
وعندما تصرخ فتاة عربية في السجون الإسرائيلية: لا للتفتيش اليهودي المهين للمرأة العربية، ونعم للجوع حتى الموت دون أن تذل المرأة العربية، ألا يعنى ذلك أن حكام العرب أغمضوا آذانهم، وشطبوا اسم المعتصم من تاريخهم، وغابوا مع قيادة السلطة الفلسطينية في حاضر مقيت لا يحفظ لهم ذكراً، ولا يضمن لهم بقاءً، حتى ولو ادخر لهم ثروة مالية؟.
وعندما تتجاوز هناء شلبي خط العجز الفاصل بين طاقة المرأة وقدرة الرجل، وتمشي واثقة على خطى السجين خضر عدنان، ألا يعنى ذلك أن الأسرى يتمردون على الصمت الذي لف قضيتهم، وتلفلف مع مصالح كثير من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية الذين عادوا، ونسوا أن هنالك ألاف الأسرى ما زالوا في السجون الإسرائيلية حتى يومنا هذا؟.
لقد دوت مع الإضراب المفتوح عن الطعام لهناء الشلبي صرخة شعب في أذن القيادة السياسية الفلسطينية، يقول: لا تقفوا عاجزين أمام مغتصب أرض فلسطين، ومغتصب كرامة شعب، ولا تقصروا القضية السياسية على وزارة المالية، واستجداء رواتب الموظفين!.
وجع الجوع ومضة فجر في عتم الليل، وهو دفق المقاومة الذي يسبق الإعصار، وهو أحزمة ناسفة معبأة بالانفجار، وجع الجوع نقرٌ في أذن الساسة، وإصرار على أن فلسطين قضية شعبٍ خذلته الحدود، وأرضٌ مقدسةٌ اغتصبها اليهود، ووطنٌ عزيزٌ لا بد أن يعود.
0 comments:
إرسال تعليق