ويختلف الوضع في سوريا عن ليبيا وباقي الدول العربية التي شهدت وتشهد ربيع الثورات، فهي ليست معزولة بدون أي حلفاء، فلديها حلفاء اقليميون مثل ايران وحلفاء دوليون مثل روسيا والصين.
اشكالية القاعدة
القاعدة في سوريا تختلف ايضاً عن اخواتها في ظل ثورات الربيع العربي، فهنالك قواعد وليست قاعدة.
ويمسك النظام السوري منذ عام 2003 بخيوط القاعدة ثم تنظيم بلاد الشام في سوريا، وتعايش تنظيم الشام مع النظام السوري طيلة السنوات الاخيرة حتى مجيء ادارة اوباما في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، التي بدات سياسته بإيجاد حوار مباشر مع سوريا وايران وفقاً لتوصيات لجنة بيكر هاملتون 2006.
وقد صرح الرئيس بشار في 2009 بان استقرار العراق يمر عن طريق سوريا.
كان تنظيم القاعدة في بلاد الشام وما زال الذراع العسكري للنظام لافشال اي مشروع وطني عراقي في ظل تواجد القوات الاميركية وكانت الحدود العراقية السورية مفتوحة لعبور الانتحاريين وخاصة معبر ربيعة، ولم تشهد سوريا عمليات انتحارية او قاعدية ضد نظامها خلال تلك الفترة الا عملية واحدة حتى تاريخ اندلاع ثورة الربيع العربي.
تاريخ التنظيمات المسلحة والاصولية في دول العالم الثالث وتجاربها تفيد بأن الانظمة الحاكمة هي من يمسك بخيوط التنظيمات الراديكالية والاصولية لتنفيذ سياسات النظام بالوكالة، محاولة منها بالتخلص من مسؤوليتها القانونية واستحقاقاتها امام شعوبها، هذه العلاقة تبقى حتى بعد انتهاء التحالفات من خلال احداث انشقاقات داخل تلك المجموعات المسلحة او الحركات.
استخدم تنظيم القاعدة سوريا معبراً باتجاه العراق منذ عام 2003 ولسنوات قريبة جداً بل وفر النظام السوري معسكرات التدريب في الاذقية وغيرها من المعسكرات وباشراف مخابراتي وباعترافات عدد من معتقلي القاعدة.
مثلث ايران وسوريا وحزب الله
ايران وسوريا وحزب الله مثلت ثابت الاضلاع، يمثل تحدياً وصداعاً مزمناً للسياسة الخارجية الاميركية التي تهدف الى تفكيك هذا المثلث بالسياسة الناعمة، اي فك ارتباط سوريا عن ايران وحزب الله، هذه السياسة بدأتها الولايات المتحدة ضد ايران بتحريك الوضع الداخلي وخلق حالة من الفوضى وفرض عقوبات دولية لاضعاف النظام والمراهنة على تآكله من الداخل مع تصعيد الحرب الاعلامية والتهديدات ورفع سقف شروط الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة في وجه الملف النووي الايراني.
وأعلنت البحرية الاميركية ان مجموعة حاملة طائرات اميركية ضاربة بقيادة حاملة الطائرات الذرية المتعدد الغايات "ابراهام لنكولن"، ابحرت في بحر العرب.
وسبقتها مجموعة حاملة طائرات ضاربة بقيادة حاملة الطائرات "كارل فينسون"، وحاملة الطائرات "جون ستينيس" في ديسمبر/كانون الاول 2011.
لكن رغم تلك التحشيدات والتهديدات كان المراقبون المعنيون بالشأن الايراني الاميركي يستبعدون اي عمليات عسكرية واسعة ضد ايران، وأكدها خطاب اوباما في 8 اذار 2011 في كلمة ألقاها من وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون قائلاً "إذا نظرنا إلى ما بعد الحربين في العراق وأفغانستان ونهاية مرحلة طويلة من تقوية أمننا وتضامننا الوطني بعمليات انتشار عسكري خارجي كبيرة ـ نجد أننا سنكون قادرين على ضمان أمننا بعدد أقل من القوات البرية التقليدية".
انها سياسة انحسار الحروب الاميركية؛ فالولايات المتحدة تطوي صفحة عقد كامل من الحروب وتواجه لحظة تحول ويواجه البنتاغون تخفيضاً في ميزانيته يتجاوز 450 مليار دولار أميركي على مدى السنوات العشرة المقبلة، وهذا يعني الاستغناء عن خدمات آلاف الجنود والعسكريين.
واشنطن تراهن الآن على الوقت لإضعاف الانظمة وبدات تستخدم القاعدة في بعض الدول والمعارضة والسلفيين والمجموعات الاصولية ضد الانظمة لزعزعتها وحلحلة الوضع الداخلي وهذا ما يحصل الآن في سوريا وهي تراقب الوضع عن قرب واستخدمت تركيا وقطر حصان طروادة في الشان السوري، ويبدو انها سياسة ناعمة جديدة تستخدمها ادارة اوباما بدلا عن العمليات العسكرية، من شأنها تجنب الولايات المتحدة المخاطرة بهيبتها الدولية .
واكدت كلينتون "نحن نراقب الوضع في سورية والدول المجاورة لها عن كثب في تصريح لها نشرته البي بي سي في 24 يونيو/ حزيران 2011"، وقال مسؤولون عسكريون أميركيون في 18 شباط 2012، إن عددا من الطائرات العسكرية وطائرات التجسس الأميركية بدون طيار تعمل في المجال الجوى السوري لمراقبة هجمات النظام السوري ضد الجيش الحر والمدنيين الأبرياء على حد سواء.
وجاءت تصريحات الادارة الاميركية لتقول بأنها لم تمول المعارضة السورية لانها تخشى القاعدة.
هذه التصريحات يمكن تفسيرها بان الولايات المتحدة تستخدم شبح القاعدة وتهول قدراتها في المنطقة مثلما فعلت في افغانستان وأنها تراهن على اضعاف النظام السوري، اي تريد ابقاء النظام السوري بنسخة معدلة وفق مصالحها، اي تريد تغيير رأس النظام مع ابقاء النظام ذاته وفق شروط وكأنها تريد نصب خيمة صفوان (العراقية الكويتية) للتفاوض مع قادة الجيش السوري.
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا الأسبوع الماضي أجاب كاميرون عن سؤال حول اتخاذ خطوات لفرض حظر جوي على سوريا مثل سيناريو ليبا بالقول "إن الحل الأسرع هو رحيل الرئيس السوري بشار الأسد" اي التاكيد على رحيل رأس النظام وابقاء ذات النظام.
الولايات المتحدة تنتظر الوقت المناسب لفتح حوار مباشر والتفاوض مع النظام السوري بعد ان تتأكد من اضعافه وهذا يعيد بالذاكرة الى سياسة اميركا في العراق بعد فرض الحظر، الذي كان يهدف الى صندقة النظام العراقي السابق ودفعه التعويضات مقابل استمراريته.
إن إبقاء النظام يبعد مخاوف اميركا من مجيء بديل يهدد جبهة الجولان واحداث الفوضى في المنطقة.
تنظيم القاعدة في بلاد الشام
برز اسم "جند الشام" كتنظيم جديد يضاف إلى التنظيمات والحركات الإسلامية المعروفة مثيراً علامات استفهام وتساؤلات حول أهدافه وهيكليته وخصوصاً بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2005.
تعود تسمية جند الشام إلى المجموعة الأولى التي تزعمها الزرقاوي في أفغانستان في العام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم للتدريب كان يضم متطوعين من بلاد الشام، أي لبنان وسورية والأردن وفلسطين، وفيما يتولى الشأن التنظيمي عماد ياسين، تعود المسؤولية العسكرية الى غاندي السحمراني، وهو ممن شاركوا في أحداث الضنية في شمال لبنان مطلع العام 2000.
فقد قام المدعو "أبو يوسف شرقية" بإعلان تشكيل جند الشام، وتولي "إمارته" في مايو/أيار 2000 بالاضافة الى الداعية السوري ابو القعقاع كان من ضمن عناصر التنظيم.
ان تنظيم القاعدة/الجيل الاول موجود في ايران وتنظيم الشام في قبضة النظام السوري، وتشير المصادر إلى أن النظام اطلق بعض كبار معتقليه من السجون السورية، فليس من المعقول ان تكون هنالك نشاطات وعمليات للقاعد ضدهما.
فمقاتلو القاعدة واخواتها لا يتعدون بضعة خلايا لا تساوي شيئاً امام القوة العسكرية السورية وهنالك عدد من السلفيين والجماعات الاسلامية المسلحة دخلت الاراضي السورية بمساعدة تركيا، وهذه يمكن اعتبارها خلايا صغيرة او افراداً متطوعين دخلوا للقتال وليسوا تنظيماً، وما تم عرضه من مقاطع فيديو وصور للقاعدة لم تكن الا استعراضاً بائساً امام وسائل الاعلام لمجموعات من المتطوعين.
ان منهج تنظيم القاعدة يقوم على نظام الغزوات اي العمليات الواسعة واعلان الامارات الاسلامية والولايات في المناطق التي تسيطر عليها القاعدة، لكن لحد الآن لم نشهد هذا السيناريو المتكرر للقاعدة كتنظيم وحتى العمليات التي تبنتها مواقع القاعدة المعروفة كانت تفتقر الى ذكر الاسماء والقيادات او الاعلان عن تفاصيل تنفيذ عملياتها كما هو معهود.
الظواهري ليست لديه سيطرةعلى التنظيم
التنظيم المركزي للقاعدة يعاني من موت سريري بطيء، ويشهد غيبوبة منذ أواخر عام 2005 ولحد الآن، آخر عملياتها كانت محطات قطارات لندن 2005 ولحد الآن لم تقوم باي عملية مماثلة وماقامت به من عمليات عام 2009 في التايم سكوير /نييورك وطائرة الايرباص المتجهة من امستردام الى ديترويت خلال فترة اعياد الميلاد كانت عمليات خلايا فردية فاشلة.
لذا بدأ التنظيم يعتمد على التنظيمات المحلية مثل دولة العراق الاسلامية في العراق وانصار الشريعة في اليمن محاولة منه للحفاظ على تواجده.
وما جاء في رسالة الظواهري الاولى ضد سوريا في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي والثانية مطلع هذا العام يمكن فهمه بانه علامة ضعف للتنظيم وهذا ما اكده المراقبون المعنيون في شأن القاعدة، مع احتمالات، ان الظواهري ليست توجد لديه سيطرة على التنظيم في ظل تراجعه، والا فما هو تفسير رسالة الظواهري بتأييده ثوار سوريا ورفاقه من الجيل الاول في ايران تحت الوصاية الايرانية؟ وما يزيد في هذا الاحتمال ان الظروف التي يعيشها الظواهري وقيادات التنظيم المركزي هي ظروف صعبة بعد مقتل اسامة بن لادن وانشغال قيادات التنظيم بتامين امنهم الشخصي، مع عامل تقدم السن لتلك القيادات وعجزها ميدانياً مقارنة بالجيل الثالث من القاعدة الذي يكثر تناسلياً عقائدياً من خلال استخدامه الانترنت والتقنية الحديثة ومرونة الحركة.
القاعدة في سوريا موضوع شائك لتعدد خيوط القاعدة فهنالك جند الشام الذي يمسك به النظام وهنالك التنظيم المركزي وهنالك مجموعات سلفية مقاتلة ومتطوعين ومرتزقة تدفقوا للقتال من باب أن "الجهاد فرض عين" بعيداً عن مبايعة الظواهري.
ومهما كان، فإن تنظيم جند الشام، ليس الا ذراعاً للنظام السوري وسط ضبابية قياداته وهيكليته ونقص المعلومات المتوفرة عنه.
جاسم محمد
كاتب ومترجم في قضايا الارهاب والاستخبار
0 comments:
إرسال تعليق