ويستمر النظام السوري في رفض الحوار مع شعبه رافضاً الاعتراف أن هناك معارضة شعبية حقيقية في سوريا وان هناك قوى سياسية لا ترضى باستمرار حكمه وسلطته الديكتاتورية متهماً إياها بخدمة مشروع خارجي، وخرج علينا الأسد قائلاً بان هناك مؤامرة خارجية تستهدف تقسيم سوريا في حال خرج هو من السلطة. وفي هذا القول يبدو الأسد في تناغم وتفاعل وتعاون مع الفريق اللبناني المتحالف معه، والذي صرح باسمه رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين حين ذكر كلاماً مشابهاً لما قاله الأسد فقال أنه "وبكل صراحة نقول أننا لا نثق بالفريق الآخر من اللبنانيين بما يتحدثون به وبما يقدمونه من أفكار ومشاريع". إن هذا تعبير واضح يشكك في فكرة التفاهم بل حتى في مبدأ التعايش مع الفريق الأخر ويهدد بالتقسيم بشكل أو بأخر، وهذا دون أدنى شك يتكامل مع تهديد الأسد. ولكن فات صفي الدين أن هذا الفريق من اللبنانيين نجح في الحصول على الأكثرية في الانتخابات النيابية عام 2009، والخلافات الحالية داخل الفريق الحكومي الحاكم اليوم بقوة السلاح تؤكد أن فريق حزب الله لا يملك الأكثرية النيابية ولا حتى الشعبية، فالحكومة الحالية في حالة تعايش ومساكنه بل وتحكم العلاقة بين مكوناتها كل مظاهر التباين والمخادعة، ولو كان يملك حزب الله الأكثرية كما يقول هذا السيد لقدمت هذه الحكومة استقالتها ولما شعر حزب الله بالحرج في الدعوة لتشكيل حكومة جديدة. (أين وليد جنبلاط اليوم وأين النائب احمد كرامي وهما من صلب هذه الحكومة). ولكنها نشوة الشعور بالقوة وسطوة السلاح التي لا تعمي الأبصار فقط بل القلوب أيضاً.
وبالعودة بالذاكرة قليلاً من الملاحظ أن نظام سوريا الذي رعى وأيد ودعم ممارسات حزب الله يوم اعتدى على اللبنانيين في غزوة 7 أيار/مايو، من عام 2008، حين اعتبر أن السلاح يحمي السلاح، نرى اليوم هذا النظام وهو يتلقى الدعم نفسه وتقدم له التبريرات نفسها من فريق حزب الله وحركة أمل الذي يتجاهل بل ويؤيد ممارسات هذا النظام بحق شعبه ويقوم بوضع جمهوره في مواجهة مباشرة مع فريق لبناني واسع، ومع كامل الشعب السوري الرافض لاستمرار نظام بشار الأسد وبقائه في الحكم وكذلك مع سائر المجتمع الدولي الذي يؤيد الشعب السوري في تحقيق طموحاته وتطلعاته لبناء دولة حرة ديمقراطية تعددية.
الدعوة للحوار يجب أن تكون جدية سعياً للوصول إلى قواسم وطنية مشتركة وجامعة، ويجب أن تتضمن أفكاراً تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية وتطلعات وطموحات معظم المواطنين اللبنانيين، وأهمية ضمان الاستقرار وتفعيل البناء والتطوير في وطنٍ عانى من حرب أهلية طويلة، ومن اعتداءات إسرائيلية متعددة ومتكررة، ومن صراعات أمنية وسياسية داخلية ووصاية سورية ظالمة، تركت أثرا بالغاً على مشروع قيام الدولة وعلى السلم الأهلي والعيش المشترك. سوى ذلك، يكون الحوار دعوة لتضييع الوقت وتحين الفرص في انتظار متغيرات مناسبة في المنطقة. ولكن السؤال هو انه إذا كان احد قادة حزب الله يقول بان لا ثقة لدى فريقه بالحوار مع فريق لبناني أخر فما هي الجدوى من الحوار الذي يدعوا إليه نواف الموسوي وهو من قادة حزب الله أيضاً حين يقول لافتا إلى "أن هناك سبيلا واحدا للتعاطي مع المقاومة وفريقها السياسي وهو الحوار الذي لا ينبغي أن يكون مشروطا". فسعادة النائب يدعوا للحوار غير المشروط في حين أن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله يؤكد عدم ثقته بالفريق اللبناني الأخر متهماً إياه بأمور شتى، وبذلك فالأرضية المشتركة والأساسية للحوار وهي الثقة تعتبر غير موجودة وغير متوافرة بل مفقودة أيضاً في لبنان، تماماً كما هي الحال في سوريا (فالمعارضة الشعبية السورية التي تتعرض للقمع والقتل هي مشروع فتنة ومؤامرة وتوجه من قوى الخارج كما يراها النظام السوري وفريق حزب الله، في حين أن البوارج والمدمرات الإيرانية والروسية تتوقف في ميناء طرطوس لدعم النظام الحاكم ومع ذلك لا يعتبر هذا تدخلاً أجنبياً سافراً! والفيتو الروسي والصيني يغطي جرائم نظام الأسد، وإعلام حزب الله وإيران يدافع عن ممارسات النظام السوري، ورغم كل هذا لا يعتبر الأمر دعماً خارجياً)..
بالعودة للحوار في لبنان نرى أن نواف الموسوي الذي يرفض وضع شروط مسبقة للحوار يقول مشترطاً في صلب دعوته للحوار "أن مدخلها يكون بالإقرار المتبادل بالحقوق التي هي لكل مكون من مكوناتها". هل المقاومة أصبحت مكون خاص، أو أن لقب المقاومة أصبح مرادف وحكر على الطائفة التي يدعّي الموسوي تمثيلها؟
فالحوار الذي يدعو إليه حزب الله نتيجته الحتمية دون شك الاعتراف بسلطة وهيمنة فريق لبناني مسلح على فريق لبناني غير مسلح تحت طائلة الاتهام بالعمالة والارتباط بمشاريع مشبوهة. وكذلك شأن النظام السوري الذي يريد تجاهل المعارضة الشعبية ويقمعها بالقوة لإلغائها سعياً للقيام بمحاورة نفسه من خلال بعض الرموز التي صنعها وأعطاها صفة المعارضة، وتمرير الدستور الجديد الموعود الذي يعطي الأسد فرصة الحكم 14 سنة جديدة بعد أن حكم ووالده ما يقارب نصف قرنٍ من الزمن. إن لبنان بلد ديمقراطي تعددي الأديان ومتنوع الثقافات والمفاهيم الحضارية وهو يمثل نموذجاً تتعايش في الأديان والأحزاب والقوى السياسية بكل أشكالها، ولا يستطيع أي فريق أن يعتبر أن ثقافته أو فكره أو مفاهيمه تمثل أو قد تشكل قاسماً مشتركاً يجتمع عليه جميع المواطنين، المفهوم الوحيد الذي يمكن اعتباره الحل الأمثل للتعددية والتنوع اللبناني هو ترسيخ مفهوم وفكر وثقافة المواطنة والعيش بمساواة تحت سقف قوانين تحترم التنوع والخصوصية التي يمتاز بها كل مكون لبناني، وبرعاية مؤسسات دستورية وقانونية وحكومية وأمنية ترعى استقرار وتعايش وتناغم واحترام هذا المزيج والتنوع وتضمن عدم تجاوز أي فريق أو هيمنة قوة سياسية أو دينية على أخرى..ولكن كما يبدو فإن فريق حزب الله يملك رؤية وثقافة ومفاهيم حضارية يراها تتجاوز حجم هذا الكيان وتفقده الرغبة في التفاهم مع شركائه في الوطن، لذلك قرانا ما قاله رئيس الهيئة التنفيذية في حزب الله الذي أعلن عدم ثقته بالفريق الأخر في الوطن. واستكمالاً لما ورد أو توضيحاً له لا فرق يقول رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد ما يلي "إننا اليوم في مواجهة قاسية مع جبهة الطغيان والنفاق الإقليمي والدولي الذي يستهدف إرادتنا وإصرارنا على تحقيق استقلالنا وسيادتنا واستعادة كرامتنا وثقتنا بأنفسنا وتحقيق شخصيتنا الحضارية ومجتمعنا القوي المتنامي". ما هي خصائص هذه الشخصية الحضارية وما هو مفهوم محمد رعد أو حزب الله للمجتمع القوي المتنامي؟ والمواجهة القاسية التي يخوضها اليوم حزب الله هي مع منْ؟ مع الشركاء في الوطن أم عبر الحدود أو مع المجتمع الدولي؟ في الداخل اللبناني مع القوى السياسية المنافسة أم في سوريا والبحرين واليمن؟ وهل يستطيع من يحمل فكراً ومفهوماً من هذا النوع ويتبنى مشروعاً يتجاوز حدود الوطن والأمة يستطيع أن يحاور قوى وأحزاب لا يرى فيها سوى أنها أدوات محلية تابعة أو عميلة لأجهزة خارجية، ويتهمها بالخيانة والعمالة في كل حين أن يجلس إلى جانبها على طاولة الحوار ليرسم وإياها مستقبل الوطن والكيان؟ وهل بإمكان القوى اللبنانية المحلية في حجمها وحضورها أن تكون نداً لهذا الفريق المتكبر في أي حوار أو نقاش حول مستقبل لبنان؟ هذه أسئلة برسم من يدعو للحوار ساعة يريد ويمتنع عن المشاركة فيه ساعة يرغب؟ وخلاصة القول هو أن الفريق الذي يحمل فكرا استئصاليا وتوجهات تتجاوز حدود الوطن وارتباطات عابرة للحدود لا يستطيع أن يتكيف أو أن يجد أرضية مشتركة بينه وبين سائر المكونات الوطنية للحوار معها، لأنه يرى أن العلاقة معها هي علاقة قوي بضعيف وأن التفاهم معها هو تفاهم مرحلي ومؤقت ريثما تنتصر حضارته وثقافته ومشروعه ورؤيته، على سائر مفاهيم القوى اللبنانية الأخرى، فيتم حينها إلغاء التعددية والتنوع ليكون للبنان طابع واحد وصورة واحدة وارتباط ومسار أوحد.."لبنان المقاومة ولبنان نصرالله" تماماً كما جرى في سوريا حين أصبحت في غفلةٍ من الزمن سوريا الأسد..وهذا ما يجب تصحيحه في سوريا ومنعه في لبنان..
حسان القطب
0 comments:
إرسال تعليق