الجمعة، مارس 23، 2012

الرَّئيس والمرشد.. مستقبل ولاية الفقيه في إيران

تشهد إيران أزمة داخلية غير مسبوقة تجسدها الأحداث الجارية والخلافات المستمرة على مستوى قمة النظام الحاكم. وتعكس تلك الأزمة تحولا مهما في الصراع الداخلي من صراع بين المحافظين والإصلاحيين، إلى صراع داخل تكتل المحافظين ذاته. وهي أزمة غير مسبوقة، إذ لم تمر الجمهورية الإسلامية بمثلها من قبل، وربما تؤدي إلى تداعيات على نظام ولاية الفقيه ومستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أولا- وزارة الاستخبارات وتفجر الأزمة:

رغم أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هو الذي اختار حيدر مصلحي لوزارة الاستخبارات، فإنه أصبح يرى أخيراً أن مصلحي كغيره من الشخصيات بدأ يبتعد باتجاه المرشد الأعلى ويعمل ضده.

فقد علم أن مكاتب اسفنديار رحيم مشائي صهره، ورئيس مكتبه، ومستشاره السياسي خضعت للمراقبة من قبل الاستخبارات بأمر من مصلحي، فقرر إقالته في أبريل 2011 ، حماية منه لمشائي.

ولأن الفترة المتبقية من ولاية نجاد قصيرة نسبياً، فإنه يسعى إلى ما يؤمن بقاء السلطة في فريقه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، والتي عادة ما يكون لوزارة الاستخبارات دور أساسي فيها، إلى جانب مجلس صيانة الدستور.

لذلك، يعد قرار المرشد الأعلى بإلغاء إقالة حيدر مصلحي حدثاً فاصلاً في تاريخ العلاقة بينه (المرشد) وبين الرئيس الإيراني، حيث يبدو أن المرشد ومعسكره قد بدأوا يشعرون بلعبة أحمدي نجاد، فقرروا التصدي له.

وكان المرشد قد أوعز إلى وزير الاستخبارات بتطهير الوزارة من المؤيدين للرئيس، خاصة في طبقة مساعدي الوزير والمديرين العموم للدوائر الرئيسية.

واستغل المرشد الأعلى تلك الأزمة لتقييد الرئيس والحد من نفوذه وسيطرته، لذلك خير الرئيس بين القبول بإعادة مصلحي إلى منصبه أو التخلي عن الرئاسة، واختار نجاد إعادة مصلحي، وعاد من الاعتكاف بمنزله لمزاولة مهمامه كرئيس للجمهورية.

ثانياً- انقسام المحافظين:

مع أزمة إقالة مصلحي، ظهر جلياً أن ثمة معسكرين داخل التيار المحافظ الحاكم، يتكون أولهما من تيار أحمدي نجاد ومشائي، بينما يتجسد الثاني في مجموعة المرشد وأعوانه من كبار المسئولين ورجال الدين.

1- تيار أحمدي نجاد (تيار الانحراف):

"تيار الانحراف" وصف سياسي جديد دخل إلى القاموس السياسي الإيراني الذي أصبح يكتسب مصطلحات وتصنيفات سياسية جديدة باستمرار. فقبل عامين، ظهر مصطلح "تيار الفتنة" الذي أطلق على التيار الإصلاحي بعد الاضطرابات التي أعقبت انتخابات الرئاسة عام 2009، أما وصف "الانحراف"، فينصرف إلى أصحاب التيار المحيط بالرئيس أحمدي نجاد، وفي مقدمتهم مشائي الذي يتزعم هذا التيار.

وأطلق المحافظون هذا الاسم بسبب تصريحات رحيم مشائي حول العلاقة مع إسرائيل، حيث وصف الشعب الإسرائيلي بأنه صديق للشعب الإيراني، وكذلك بسبب تصريحاته حول الحجاب، وأفكاره حول إمام الزمان التي أثارت الخوف من انتشارها بشكل لا يمكن السيطرة عليها. ويرى المحافظون أفكار مشائي أخطر كثيراً من أفكار أنصار الحركة الخضراء (المعارضة الإصلاحية) على مستقبل إيران.

ويتلخص الهدف الرئيسي لفريق أحمدي نجاد في السيطرة على السلطة، لتحقيق مشروعه السياسي للدولة الإيرانية. لهذا، يستعد الرئيس والجناح المؤيد له لخوض الانتخابات البرلمانية التي ستجري العام القادم، لأن هذه الانتخابات يمكن أن تهيئ المجال لجناحه للمشاركة في انتخابات الرئاسة عام 2013. ولتحقيق هدفه، حرص أحمدي نجاد وفريقه طوال فترة رئاسته على عدة أمور، منها:

- استعادة الشرعية التي افتقدها نجاد إثر انتخابات الرئاسة الأخيرة، وذلك من خلال استرضاء الشعب، فحاول تحدي المرشد من وقت لآخر، والتلكؤ في الاستجابة لأوامره، على أساس أنه يمثل عائقا في مواصلة خدماته للشعب. وحاول نجاد اكتساب رضا وتأييد الشباب بموقفه من تخفيف الحجاب، والتوسع في توفير متاجر السلع الاستهلاكية الغربية لجذب طبقة الأثرياء، وكذلك مسألة الدعم النقدي التي خدمت الكثير من الإيرانيين، مما أكسبه شعبية بين الفقراء.

- حرص نجاد على انتقاء أفراد طاقمه وحاشيته من الأقارب والأصحاب والمؤيدين، وطور شبكة علاقات واسعة على امتداد البلاد، خاصة في الحرس الثوري، وفي الدوائر الحكومية والمفاصل الأساسية للسلطة في النظام. ومع نهاية الولاية الأولى، كان قد نجح فعلاً في توزيع عدد كبير من مناصريه والمخلصين وإيجاد طبقة منتفعة موالية له، وهو ما عد تفوقاً جزئياً على المرشد داخل النظام. وفي المقابل، حاول نجاد التخلص من المناوئين لسياساته في الحكومة والمحليات، وسعي إلى تضييق الحلقة المحيطة به في الحكومة، وتقليص عدد الوزارات وتطهيرها من المعترضين على سياساته في مواجهة الولي الفقيه.

- استخدم نجاد الإعلام للترويج لأفكاره والدفاع عن رموزه. فهناك الكثير من وسائل الإعلام الإيرانية المقربة من الحكومة، والتي تدعم توجهات مشائي، وترفع منزلته إلى مرتبة القديسين.

كما توجد بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية التي شبهته بسلمان الفارسي، ووصفت منتقديه بالقشريين وأصحاب الفكر المتعنت الذين يحاولون إخافة الناس منه وتشويه صورته.

- حاول نجاد استغلال الغيبيات والمعتقدات، حيث تسيطر على رؤيته السياسية معتقدات مذهبية حول قرب ظهور الإمام المهدي، وهو ما يجعله مملوءا بروح التحدي والرد على التهديدات بشكل يظهره بمظهر الطالب للشهادة.

- السعي إلى السيطرة على أهم موارد الدولة الاقتصادية، وفي مقدمتها وزارة النفط التي تدر 80% من الدخل القومي الإيراني.

2- معسكر المرشد:

يتكون هذا المعسكر من المرشد الأعلى والموالين له من رجال الدين المتشددين والمحافظين، وهم أكثر تماسكاً ونفوذاً ومنتشرون في المؤسسات الدينية، وفي المؤسسات السياسية الرئيسية في النظام، مثل مجلس صيانة الدستور، ومجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الشورى، والحرس الثوري وقوات الباسيج.

فيما يتعلق برجال الدين، أعلن عدد كبير من رجال الدين تأييدهم لولاية الفقيه في مواجهة فريق الرئيس ومشائي. فعلى سبيل المثال، وجه خطيب الجمعة في طهران، آية الله كاظم صديقي، انتقادات مباشرة إلى الرئيس أثناء حضوره مجلساً دينياً في منزل خامنئي، قائلاً إن تأييد الجماهير له ليس مطلقاً، وإنما مشروط بمدي انصياعه للزعيم وطاعته.

هذا بالإضافة لانتقاد رجال الدين الذين كانوا من أنصار أحمدي نجاد، من أمثال مصباح يزدي وأحمد جنتي وأحمد خاتمي، للرجال المقربين من الرئيس بشدة، وتوجيه التحذيرات إليهم. كما أن ترويج مشائي لشعار "إسلام دون رجال دين" يمثل تهديدا للمؤسسة الدينية التي يتزعمها خامنئي، فهي لا تريد أن تخسر نفوذها لصالح أحمدي نجاد ومشائي، لذلك قررت محاربتهما.

أما عن الحرس الثوري، فقد جمعته بالرئيس علاقة دعم متبادلة طوال فترة الرئاسة الأولي وبداية الفترة الثانية. فالرئيس أيد تولي الحرس المشروعات الاقتصادية الكبيرة، والحرس ساند الرئيس في سياساته الداخلية والخارجية. لكن هناك خطاً أحمر يضعه الحرس أمام الرئيس، وهو عدم المساس بمقام المرشد، لأن الحرس يؤمن تماماً بولاية الفقيه ولن يسمح بالمساس بها.

ومع ذلك، انحاز الحرس إلى المرشد في خلافه مع الرئيس. وأشارت إلى ذلك إحدى وثائق ويكيليكس الخاصة بإيران من أن قائد الحرس صفع الرئيس على وجهه أوائل عام 2010 في اجتماع مجلس الأمن القومي. كما اتهم قائد الحرس الثوري نجاد - عقب أزمة إقالة مصلحي- بمحاولة شراء أصوات لمرشحيه في مواجهة الغالبية المحافظة في الانتخابات التشريعية المقررة في مارس 2012، وهدده بالإقالة والاعتقال بسبب صلاته بمشائي.

وبالنسبة لمجلس الشورى الإسلامي -الذي شهد خلافات متكررة مع الرئيس- فقد وجه إلى نجاد رسالة وقعها غالبية الأعضاء، وتضمنت الرسالة دعوة للامتثال إلى قرار المرشد في أزمة وزير الاستخبارات، كما حملت تهديداً لنجاد بالاستدعاء أمام البرلمان للاستجواب.

وفي تصعيد آخر، صوت مجلس الشورى في أول يونيو 2011 بإحالة أحمدي نجاد إلى القضاء بسبب ما رآه المجلس انتهاكها للدستور بتوليه وزارة النفط وإقالته الوزير، وأذعن الرئيس الإيراني على الفور لضغط البرلمان، وعين محمد على عبادي وزيراً بالوكالة.

واستخدم معسكر المرشد عدة أدوات في سبيل تحجيم تيار "الانحراف" والحفاظ على وضعية ولاية الفقيه. ومن أهم هذه الأدوات ما يلي:

- وسائل الإعلام:

حرصت وسائل الإعلام الموالية للمرشد على تشويه صورة فريق الرئيس الإيراني، ومن أمثلة ذلك: اتهام موقع "ألف" رحيم مشائي وحميد بقائي رئيس ديوان الرئاسة بالتورط في فضيحة فساد مالي. كما اتهمت صحيفة "كيهان" مشائي بالعمل لصالح دوائر أجنبية، وبأنه يشكل خطرا أكبر من احتجاجات الحركة الخضراء.

- التعامل الأمني:

أشارت بعض المصادر إلى أن الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات شنا حملة اعتقالات في صفوف المقربين من مشائي. وأصدرت المحكمة الإدارية حكماً بإبعاد أحمد بقائي مستشار أحمدي نجاد التنفيذي عن العمل الحكومي مدة أربع سنوات، على خلفية أخطاء إدارية ارتكبها عندما ترأس مؤسسة الآثار والسياحة.

وفي السياق ذاته، دعا قائد الحرس قوات الباسيج إلى التحلي بجاهزية عالية لمواجهة الاستحقاقات بأعلى درجة من المسؤولية، في إشارة إلى إمكانية استخدام هذه القوات في التصدي لتيار الانحراف.

كما نقل موقع "بيك إيران" عن أحد قادة الحرس الثوري قوله إن مشائي يخضع للرقابة وسيعتقل.

- الشارع الإيراني:

يعد الشارع الإيراني أحد أهم مؤشرات قوة كل فريق، لذلك حرص فريق المرشد على تأكيد ثقل وقوة أنصاره في الشارع، وبالفعل لم يتمكن أنصار نجاد ومشائي من الظهور في الشارع سوي مرة واحدة في طهران، تصدي لهم خلالها أنصار المرشد.

وفي المقابل، خرجت مظاهرات في شيراز تنادي بالموت لمشائي وتصفه بأنه منحرف، في رسالة مفادها قدرة المرشد على حشد أعداد ضخمة ضد فريق الرئيس.

وفي مؤشر له دلالة لجهة حجم التأييد لنجاد، كان من المتوقع أن ينزل مؤيدو الرئيس إلى الشوارع خلال إضرابه عن حضور جلسات الحكومة لمدة عشرة أيام ويظهروا مساندتهم له، إلا أن هذا لم يحدث.

ثالثا- محاور الخلاف:

يمكن تحديد أوجه الخلاف التي تسببت في الصراع بين التيارين في ثلاثة محاور، هي:

1- خلاف فكري:

يعتقد البعض أن تحدي أحمدي نجاد لسلطة الولي الفقيه الذي كان سنده القوي، منذ انتخابه رئيسا في 2005، يرجع إلى اقتناعه بأن ظهور إمام الزمان صار وشيكاً، مما يعني انتهاء دور الولي الفقيه، وهو ما لا يوافقه عليه خامنئي ولا غالبية رجال الدين.

فمنذ توليه السلطة، دأب أحمدي نجاد على الحديث عن عودة الإمام الغائب، وعن دوره هو شخصيا في الإعداد لهذا الظهور.

ولم يكن مرشد الثورة راضياً عن خطاب أحمدي نجاد الديني الشعبوي، فعده تعدياً على صلاحيات المرشد الدينية، باعتباره النائب الشرعي عن الإمام المهدي. وعبر خامنئي عن هذا الاستياء عام 2008 قائلاً "يجب على الناس أن يعلموا أن ادعاء الاتصال بحضرة الإمام وأخذ الأوامر منه أمر باطل وغير قابل للتصديق".

وتأكيداً من جانبه على سلطاته الدينية في مواجهة تيار المهدوية، أعلن المرشد على موقعه على الإنترنت في 21 يوليو 2010 أنه نائب المهدي المنتظر وطاعته واجبة. وهي أول مرة يعلن فيها المرشد أنه نائب الإمام، بالرغم من أن ولاية الفقيه تنبع من هذه الإنابة.

في المقابل، يؤمن أحمدي نجاد بنظرية الإسلام الإيراني، التي تقول بالمزج بين عناصر التشيع الإثني عشري ومقومات الثقافة الفارسية القديمة. إلا أن الفقهاء المقربين من خامنئي رأوا هذه النظرية استهدافاً لعقيدة النظام، ومحاولة لهدم إسلامية الدولة.

ويستخدم فريق الرئيس الإعلام والأفلام التسجيلية للترويج لفكرة قرب ظهور الإمام الثاني عشر، ومنها فيلم أثار ضجة كبيرة في إيران بعنوان "ظهور إمام الزمان أصبح وشيكاً". وجاء به أن العالم يعيش الآن عصر ظهور المخلص، وأن خامنئي ونجاد من أهم الشخصيات الممهدة لظهور الإمام المهدي، مما عده البعض محاولة من الرئيس لترويج قائمته الانتخابية على أنها قائمة مقدمة من إمام الزمان.

2- نزاع على السلطة:

هناك توقعات بأن تستمر المواجهات بين فريق أحمدي نجاد والفصائل السياسية الأخري، بما فيها التيار المحافظ طوال العامين المقبلين، وذلك بسبب تمسك نجاد بالسلطة، ولو بشكل غير مباشر، عبر أحد رجاله. لذلك، يحرص على تماسك فريقه وتثبيت رجاله في مفاصل السلطة.

وهناك من يؤكد أن الدائرة القريبة إلى أحمدي نجاد تحاول تنفيذ النموذج الروسي (ثنائي فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف) في الرئاسة الإيرانية بعد انتهاء الولاية الثانية لأحمدي نجاد. وفي السياق نفسه، نقل أحد نواب مجلس الشورى عن مشائي أنه يريد نيل 150 مقعداً من 290 في البرلمان المقبل.

وأشارت إلى التوجه ذاته إحدي البرقيات الأمريكية المسربة عبر "ويكيليكس"، إذ وصفت مشائي بأنه المستشار الأقرب للرئيس والمتحدث باسمه، كما أشارت لحوار صحفي قال فيه نجاد إنه على استعداد لشغل منصب نائب الرئيس إذا أصبح مشائي رئيسا، مما يوحي برغبته في أن يتولى صديقه المنصب من بعده.

كما لم يستبعد مشائي ترشيح نفسه للرئاسة، في حين توقعت صحيفة كيهان أن يمنع مجلس صيانة الدستور مشائي من ترشيح نفسه، وهي العقبة الكبري في طريقه، في ظل اشتراط الدستور الإيراني موافقة المجلس لقبول أوراق أي مرشح. في السياق ذاته، يملك المرشد، وفقا للدستور، الكلمة الفصل في كل أمور الدولة، والتحكم في من يحكم وكيف يحكم. كما يحاول من ناحية أخرى احتواء القوة السياسية للرؤساء عموما، كي لا يتمكن أحدهم من التصرف باستقلالية عنه.

3- مصالح اقتصادية:

على مدى السنوات الخمس الماضية، حاول الرئيس أحمدي نجاد إحياء هياكل الدولة التي تم تهميشها أو تفكيكها، منذ قيام الثورة، وحلت محلها هياكل غير رسمية تتمحور حول رجال الدين الأقوياء، وشرائح معينة من النخبة العسكرية، وما يسمي بالأوقاف التي يسيطر عليها المرشد. وتجذب هذه الهياكل غير الرسمية ملايين الأشخاص الذين يعملون بمثابة قاعدة لدعم النظام. واجتهد نجاد من أجل الالتفاف على هذه الهياكل تدريجيا، والحد من إتاحة الأموال العامة أمامها. وربما يكون انقلاب أحمدي نجاد الأكثر جرأة هو محاولته السيطرة على صناعة النفط، بدءاً بإلغاء الوزارة التي أصبحت على مر السنين عبارة عن هيكل مؤسسي فقط، بينما يتحكم في صناعة النفط الإيرانية نحو 40 شركة يملكها، ويسيطر عليها رجال الدين وقادة الحرس الثوري. وسعي نجاد إلى إنعاش شركة النفط الوطنية الإيرانية كمنشأة مملوكة للدولة تتعامل مع جميع جوانب هذه الصناعة.

رابعاً- الإصلاحيون والأزمة:

في ظل الاستقطاب الحاصل داخل النظام حالياً، تحاول بعض القوي الإصلاحية اللعب على التناقضات للاستفادة من محوري الاستقطاب. ومن المفارقات في هذا المجال أن بعض رموز التيار الإصلاحي عبرت أخيرا عن دعمها للمرشد (الذي كان السبب في شرعنة الولاية الثانية لأحمدي نجاد وسحق الحركة الخضراء) في المواجهة مع الرئيس. فبعد صمت طويل، وجه الرئيس السابق محمد خاتمي خطاباً حاداً جداً ضد أحمدي نجاد وتياره، وإن لم يشر إليهم بشكل مباشر، واتهم هذا التيار بأنه سيقف يوما ما في وجه قائد الثورة وسيقتله. وبعد صمت طويل، إثر عزله عن منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أعلن هاشمي رافسنجاني أن أحمدي نجاد يجر إيران ناحية الفوضى. وذكرت مصادر مقربة من الحركة الإصلاحية أنها توقعت المواجهة بين المرشد وفريق أحمدي نجاد، ولذلك لم ترغب في عزل خامنئي أو التأثير في موقعه الدستوري بقدر ما كانت تحاول تعزيز الأطر القانونية، بعيداً عن حالات التطرف والوصاية.

وأشارت إلى محاولات حذرة يجريها الرئيس السابق محمد خاتمي، لوضع إطار معين للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل، تمهيداً لترشح خاتمي لانتخابات الرئاسة المقررة عام 2013.

خامساً- مستقبل الصراع:

يمكن القول إن الرئيس الإيراني يحمل مشروعاً سياسياً له عدة محاور: الفكري والسياسي والاقتصادي.

فكرياً، يعيد نجاد طرح فكرة المهدوية بشكل جديد، ويروج لقرب ظهور المهدي المنتظر، وبالتالي هدم فكرة ولاية الفقيه التي قامت على أساس طول فترة الغياب، وعدم معرفة موعد ظهوره من ناحية، والترويج من ناحية أخرى لفكرة الإسلام الإيراني وإحياء القومية الفارسية. سياسياً واقتصادياً، قام نجاد بحشد أنصاره، وإقصاء أتباع المرشد كلما تيسر له ذلك، مع سعي حثيث إلى السيطرة على موارد الدولة.

وبالرغم من خطورة هذا المشروع، اختار المرشد التهدئة النسبية، فطلب في نهاية مايو 2011 من رجال الدين المحافظين وقف هجماتهم على إدارة الرئيس. وأعلن المرشد أثناء لقائه مع نواب البرلمان أن تشكيلة الهيئة التنفيذية جيدة ومناسبة. وبذلك، يكون قد استبعد إقالة الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لكن من المرجح أنه سيستمر في إقصاء الرجال النافذين من مؤيدي الرئيس، واستمرار الحملات الإعلامية، وشن الهجوم على ما يسمي بتيار الانحراف، خاصة زعيمه رحيم مشائي، مع تحمل الرئيس إلى نهاية الفترة الرئاسية الحالية، تجنباً للتكلفة السياسية العالية. كما سيعمل خامنئي على توحيد قوي التيار المحافظ، وربما بعض الانفتاح على الإصلاحيين، استعدادا للانتخابات القادمة.

ومن ناحية الرئيس، فبعد طلب المرشد التهدئة، استجاب للضغوط المكثفة، وتخلي عن منصب وزير النفط المؤقت، وعين محمد على عبادي، رئيس اللجنة الأوليمبية وهو حليف له، قائما بأعمال وزير النفط ليثير جدلاً جديداً بخصوصه داخل مجلس الشورى الإسلامي.

ورغم اجتهاد الرئيس على كل المحاور لتحقيق أهدافه، فإن ما تحصل عليه حتي الآن يعد ضئيلا بعد الهجمات الموجعة التي تعرض لها على كل المستويات، ولأن خصمه يتمتع بأقصي درجات القوة، ويملك تحالفات وشبكات مصالح في مفاصل النظام، ويستطيع حشد الأعوان والمستفيدين - وهم كثر- من نظام ولاية الفقيه.

ومن المستبعد عودة العلاقة بين المرشد والرئيس إلى سابق عهدها، لأن كلا منهما خسر الآخر في هذه الأزمة. ومن المحتمل بقوة أن تتجدد الأزمة مرة أخرى، ويتوقف ذلك على موقف الرئيس، ومدي تمسكه بمشروعه السياسي، ومواصلة تحديه لولاية الفقيه. وليس من المستبعد أن يحاول نجاد التقرب من الإصلاحيين العلمانيين والقوميين لتوسيع قاعدته الشعبية، ولتعزيز موقفه في الانتخابات القادمة. وفي المقابل، قد ينفتح المرشد بدوره أمام الإصلاحيين المعتدلين المؤمنين بولاية الفقيه مرة أخرى. وهكذا، يتوقع أن تستمر الأزمة بينهما بشكل غير مباشر وغير معلن، حتي تنفجر مجددا مع أقرب استحقاق سياسي مهم، وهو الانتخابات التشريعية العام المقبل.
منال الريني
نشر في السياسة الدولية (الأهرام)

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية