الجمعة، مارس 23، 2012

أول اتصال فرنسي ــ سوري منذ بدء الأزمة

جوني منير


خلال الايام الماضية بدت الصورة متناقضة حول الازمة السورية ما اعطى صورة مشوشة وغير واضحة حول الموقف الدولي من اطراف الازمة ومسارها.

فمؤسسة «هيومن رايتس ووتش» والمعروفة بقربها من وزارة الخارجية الاميركية والتي تتخذ من نيويورك مقرا لها اعلنت وللمرة الاولى بأن جماعات معارضة مسلحة في سوريا ترتكب انتهاكات وعمليات خطف وتعذيب واعدام لافراد مؤيدين للنظام ومن قوات الامن. ويأتي ذلك في وقت تكثر فيه التسريبات والتقارير الاميركية والتي تعكس قلقا من تنامي التيارات الاصولية المتشددة وسط فوضى اصولية تسود شارع المعارضة السورية.

في المقابل برز موقف روسي رسمي على لسان وزير الخارجية حمل درجة عالية في الانتقاد للسلوك السياسي للرئىس السوري بشار الاسد من خلال تحميله اخطاء كثيرة ادت الى تفاقم الازمة.
هاتان الصورتان وان كانتا قد حملتا مواقف جديدة لم تألفها الازمة السورية منذ انطلاقها منذ اكثر من عام لكنها لا تؤشر الى حصول تغييرات جذرية في هذا الاتجاه او ذاك او بتعبير اوضح لا تعكسان حصول «صفقة» ما لصالح النظام او ضده. لكن من الواقعية بمكان الاستنتاج ان هذه المواقف النافرة انما تعبر عن تطورات تحصل في الكواليس وهي تأتي في إطار رسائل سياسية واشارات مرمزة

.
ولم يعد خافيا على احد، ان العواصم الغربية باشرت تعاطياً جديداً مع اطراف الازمة في سوريا. وهي تبدو وكأنها وضعت خلف ظهرها امكانية حصول تغيير للسلطة في دمشق من خلال التظاهرات او السيطرة على مناطق بقوة السلاح او النجاح في احداث انشقاقات واسعة على مستوى الجيش. وبالتالي فإن ما اصطلح على تسميته بالمجتمع الدولي بات على قناعة ضمنية بأن لا مجال سوى الحل السياسي والذي سيلحظ بقاء النظام الحالي ولكن كأحد العناصر الرئيسية للمعادلة السياسية التي ستحكم سوريا مستقبلا والتي ستضم حكما بعض اطراف المعارضة.

لكن باريس وواشنطن الغارقتان في حمى الحملات الانتخابية تفضلان ترك الازمة السورية وفق الوتيرة الحالية بانتظار انتهاء الانتخابات اي حتى شهر تشرين الثاني المقبل. ما يعني ابقاء الوضع السوري خاضعا لسقف المفاوضات التي جرى ايكالها الى مبعوث الامم المتحدة كوفي انان وفي الوقت نفسه لاضطرابات امنية تحرم النظام من إعادة امساكه بكامل الساحة السورية من الزاوية الامنية.


لكن هذ العنوان وعلى الرغم من اهميته، لم يكن السبب الفعلي للتبدل الحاصل في المواقف الاميركية والفرنسية.
فمع اندلاع الاحداث في سوريا تولت واشنطن مهمة الضغط السياسي والديبلوماسي وحشد التأييد الدولي فيما جرى تلزيم باريس المتطلبات الميدانية.
ويتردد بقوة ان ضباطاً فرنسيين جاؤوا الى لبنان حيث استقروا في شماله بالتنسيق مع بعض الاجهزة الامنية اللبنانية، كذلك تمركز بعض من هؤلاء في جنوب تركيا وفي كردستان العراقية.

وتولى هؤلاء الاشراف على التواصل مع الداخل السوري وعلى تنظيم صفوف المعارضين وتأمين خطوط الامداد بالسلاح والمتطلبات العملانية.
وحسب ما يتردد، فانه جرى ايكال دور اساسي للساحة اللبنانية لتمتعها بمزايا تسمح لها بالتأثير اكثر بالداخل السوري.

وجاءت معارك حمص بمثابة نقطة التحول في مسار الازمة السورية، ذلك ان المطلوب كان من هذه المنطقة ان تتحول منطقة خارجة عن نفوذ وسيطرة النظام وعاصمة قوية للمعارضة، وقادرة على التحكم بين العمق السوري الذي يضم العاصمة السياسية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب، والساحل السوري.

وتضيف هذه الروايات ان السلاح جرى تمريره عبر العديد من المنافذ الشرعية وغير الشرعية بين البلدين. كما جرى تهريب «الجهاديين» ومعظهم من بلاد المغرب العربي وليبيا من خلال الثغرات الكثيرة عند الحدود، ولا سيما منطقة دير العشائر، حيث جرى اعادة استخدام احد الانفاق الذي يؤدي الى حمص والداي يعود الى ايام الحرب العالمية الثانية. وجرى اعادة تجهيزه وتخزين بعض الاسلحة فيه، وحتى تخصيص جزء منه كمستشفى ميداني.

لكن النقطة الاهم هو ارسال تقني فرنسي قام بتركيب نظام تواصل لاسلكي متطور عصي على فك رموزه، رغم الاستعانة بمساعدة الخبراء الروس. وهذا النظام معروف دوليا باسم نظام «ايتا» الذي يسمح بالتواصل بشكل آمن، اضافة الى امكانية رصد شبكات التواصل للجيش السوري.

وعندما نجح الجيش السوري بفرض سيطرته على حمص، تمت مصادرة هذا الجهاز يومها، وكان اول اتصال قد حصل بين الجانبين السوري والفرنسي، عندما جرى اعتقال ثلاثة من الكومندوس الفرنسي كانوا قد تسللوا عبر الحدود اللبنانية لانقاذ الصحافيين الفرنسيين العالقين في بابا عمرو واللذين كانا ينسقان مع السلطات الفرنسية طوال وجودهما في حمص، يومها تمكنت الفرقة الرابعة في الجيش السوري من اكتشاف المجموعة وقامت بالقاء القبض عليها، لتعود وتفرج عن العناصر الثلاثة فيخطوة بقيت بعيدة عن الاعلام وترافقت مع تأمين انتقال الصحافيين الفرنسيين الى لبنان ومنه الى فرنسا. ويتردد في الكوايس الديبلوماسية ان باريس طلبت للمرة الثانية وعبر القناة نفسها استعادة الجهاز المتطور، وهذا ما حصل. وتلا ذلك، تراجع الضغط الفرنسي الديبلوماسي، وسحب الضباط الفرنسيين من كل من لبنان وتركيا وكردستان.

في المقابل، بدا ان روسيا كانت منزعجة من عدم استلامها هذا الجهاز المتطور بهدف تفكيكه والحصول على اسراره.
وهذا الانزعاج ظهر في تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي تحدث فيه عن ارتكاب النظام لاخطاء كثيرة ادت الى تفاقم الازمة.
لكن هذه الرسالة الاعتراضية الروسية، تبقى محصورة في اطار معين وليس ابداً كما يتوهم البعض في قراءته السياسية، لان لروسيا مصالح سياسية استراتيجية تسعى لتحقيقها من خلال الازمة السورية ما يحتم عليها التمسك بها، بغض النظر عن المناوشات الجانبية التي تحصل والتي لها علاقة بتحقيق اكبر قدر من الارباح.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية