الجمعة، مارس 23، 2012

هدية إسرائيل إلى إيران

من المتوقع أن تمتنع إيران عن الرد مباشرةً على إسرائيل، وقد يتردد قادتها في شن عملية انتقامية فورية، فاللجوء إلى الرد العسكري المباشر، قد يؤدي إلى توسع نطاق الحرب الشاملة، ما قد يجر واشنطن إلى الصراع ويجازف بتدمير البنية التحتية الإيرانية بالكامل.

هل يمكن اعتبار أن القادة الإيرانين حكام منطقيون؟ إنه سؤال مهم عند تبرير أي قرار إسرائيلي باستباق مساعي إيران الرامية إلى الحصول على أسلحة نووية. لا بد من التعامل مع النظام الإيراني الذي يسعى إلى تدمير الدولة اليهودية بطريقة مختلفة عن النظام الذي يركز أهدافه على خدمة مصالحه واحتساب التكاليف التي يمكن أن يتكبدها. لا يمكن أن تنجح أنظمة الردع، التي تُستعمل في العادة لكبح الدول، مع إيران التي لا تتصرف بطريقة منطقية. لكن إذا كانت الجمهورية الإسلامية، على الرغم من جميع مواقفها العدائية، تقارب سياساتها بطريقة متوازنة وتهتم بصمود نظامها، قد تنجح التهديدات وحدها في إعاقة طموحات إيران النووية، وبالتالي يُفترض أن تولي إيران في هذه الحالة الأهمية الكبرى لتجنب أي اعتداء مسلح ضد أراضيها.

لعب دور الضحية

لكن هل يمكن أن ترحّب القيادة الإيرانية المنطقية بالاعتداء العسكري على أراضيها؟ تشير تصريحات إيران وأفعالها الاستفزازية في الأشهر الأخيرة إلى أن بعض صانعي السياسة النافذين يعتبرون أن أي اعتداء على المنشآت النووية المحلية من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة يشكل مكسباً واعداً. أكثر ما يريدونه هو استغلال تلك الفرصة للتخلص من صفة الدولة المنبوذة دولياً ولعب دور الضحية.

قد تكون الاعتداءات الجوية المكثفة ضد المواقع النووية في أنحاء البلد كفيلة بقتل أو جرح مئات المدنيين. في حال حدوث تسرب إشعاعي يهدد بارتفاع عدد الضحايا، من المتوقع أن يزيد التعاطف الدولي مع إيران بنسبة هائلة. يمكن أن يتوقع قادة إيران في هذه الحالة انطلاق تظاهرات غاضبة في أنحاء العالم الإسلامي. وقد تكون المشاركة الشعبية هائلة وعنيفة في هذا الموسم من “الصحوة العربية”. كذلك، قد يستمتع النظام الإيراني وهو يشاهد الاحتجاجات السياسية المنتشرة في أرجاء أوروبا نتيجة تحليق أسعار النفط.

ومن المتوقع أيضاً أن تنهار المعركة الشاقة لتعزيز العقوبات الاقتصادية ضد إيران، لا شك أن الأمم المتحدة ستصدر بدورها قرارات تدين الاعتداء على إيران، وقد تصبح الولايات المتحدة الطرف الوحيد الذي يحاول تبرير تلك الاعتداءات. حتى لو نفذت الطائرات الإسرائيلية تلك الغارات وحدها، ستُعتبر واشنطن وتل أبيب معاً في مصاف المعتدين.


يدرك القادة الإيرانيون أن بعض النخب الحاكمة (تحديداً في دول الخليج) تحبّذ حدوث اعتداء استباقي يعيق طموحات إيران النووية. غير أن هذا الاعتداء الإسرائيلي قد يضع خصوم إيران الإقليميين في موقف دفاعي. إذا امتنع هؤلاء القادة العرب عن الانضمام إلى جماعة المنددين بالاعتداء على إيران، قد يثيرون استياء مواطنيهم. بعد حدوث اعتداء مماثل، قد يصبح استمرار الوجود الأميركي في القواعد العسكرية في الخليج غير مقبول.

يمكن أن تتوقع إيران تداعيات إقليمية أخرى، فلا شك أن مشاعر العداء المتأججة أصلاً في أفغانستان وباكستان ضد الولايات المتحدة ستتزايد بعد قصف إيران. وبما أن إيران تتوق إلى طرد القوات الأميركية من جوارها، قد تتكل على الضغوط التي تفرضها الجهات المختلفة للحث على انسحاب القوات الأميركية وحلف الأطلسي سريعاً من أفغانستان. وهكذا ستتلاشى المخاوف من احتمال عقد اتفاق استراتيجي يتم التفاوض عليه بين واشنطن وحكومة كرزاي للسماح ببقاء جزء من القوات الخارجية. كذلك، ستتحسن فرص إيران لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي الكبير أصلاً في المنطقة المجاورة. في باكستان، حيث يبدو الرأي العام مقتنعاً بوجود مؤامرات مشتركة من تخطيط إسرائيل والولايات المتحدة، قد تُسَرّ إيران عند تدهور علاقة باكستان مع الولايات المتحدة وحصول طلاق نهائي بينهما.

ستترافق هذه الضجة السياسية الدولية مع تداعيات محلية أخرى. على الرغم من مشاعر الغضب التي يكنّها ملايين الإيرانيين تجاه نظامهم الإسلامي، يمكن الاتكال على الشعب القومي المحلي لدعم قادته دفاعاً عن بلده. سيؤدي هذا الاعتداء على الأراضي الإيرانية إلى انهيار فرص إعادة إحياء “الحركة الخضراء” الإصلاحية لمدة عقد من الزمن على الأقل. حتى الإصلاحيون أبدوا تأييدهم لاحتفاظ إيران ببرنامجها النووي. من سيجرؤ الآن، محلياً وخارجياً، على التشكيك في رغبة النظام في تصنيع قنبلة؟

إيران لن تدفع الثمن

سيكون الثمن الذي ستدفعه إيران نتيجة التحرك العسكري ضئيلاً جداً، فأقصى ما يمكن أن تتمناه إسرائيل من العملية العسكرية هو تأخير تصنيع الترسانة النووية ببضع سنوات. كذلك، ستدرك إيران أن برنامجها الهادف إلى حماية منشآتها النووية منحها درجة عالية من القوة والحصانة. يمكن اعتبار أي دمار يطاول الطائرات الهجومية انتصاراً ضد المعتدين.

من المتوقع أن تمتنع إيران عن الرد مباشرةً على إسرائيل، وقد يتردد قادة إيران في تنفيذ عملية انتقامية فورية لتحقيق مكاسب سياسية إضافية. أما اللجوء إلى الرد العسكري المباشر، فقد يؤدي إلى توسع نطاق الحرب الشاملة، ما قد يجر الولايات المتحدة إلى الصراع ويجازف بتدمير البنية التحتية الإيرانية بالكامل، كما أن هذا التحرك سيمنع البلد من إظهار نفسه بصورة الطرف المتضرر.

لكن ردة الفعل المتوازنة على أي اعتداء إسرائيلي لن تمنع حدوث رد عنيف ولو بطريقة غير مباشرة. قد تشجع إيران “حزب الله” و”حماس” على إطلاق صواريخ ضد إسرائيل أو قد تعزز شبكة تهريب الأسلحة التي توفرها إلى حركة “طالبان” الأفغانية. في غضون ذلك، سيرحب الكثيرون بموقف نظام طهران لأنه أثبت قدرته على ضبط النفس. بالنسبة إلى إيران، قد يكون الاعتداء الغربي بمنزلة هدية ثمينة!

*محلل استخباري سابق لشؤون باكستان وأفغانستان في وزارة الخارجية الأميركية ويعمل راهناً في “معهد الشرق الأوسط”.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية