الخميس، مارس 22، 2012
مظاهر معادية لبشار تخدم نظامه
الخميس, مارس 22, 2012
اضف تعليق
مصطفى علوش
التقيت منذ أيام في مدينة كندية أحد كبار الدعاة الإسلاميين المعروفين في كندا والعالم، وهو متحدث مفوه وعالم في أصول الشرع والحديث ويتحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة واضحة وبعبارات أدبية يغار منها معظم من كانت الإنكليزية لغتهم الأم. باختصار كنا نتحاور حول بعض المظاهر التي أصبحت منسوبة الى الإسلام لدرجة أصبحت كرموز مرتبطة به وتعبّر عنه مع أن هذه المظاهر لا تشمل إلا قلّة قليلة من المسلمين. وتشمل هذه المظاهر اللباس المسمى شرعياً واللحى الكثيفة والتكبيرات الغاضبة والقبضات المرفوعة مهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وذكرنا أيضاً مظاهر التهليل لمقتل أو أذية الأعداء واعتبارها غضباً عليهم من رب العالمين. كما مررنا على أن منظر النساء المحجبات الفلسطينيات اللواتي كن يهللن شماتة بعد كارثة البرجين في نيويورك ما زالت تحفر في ذاكرة الكثير من الغربيين.
وقد روى لي الداعية قصة حدثت معه منذ بضعة أشعر في كندا عندما كان يحاضر بالمشاركة مع أحد الكنديين حول التسامح وقبول الآخر، وكان المحاضر الكندي أنهى كلمة مسهبة شجب فيها المواقف العنصرية التي عمّت الغرب ضد الإسلام والمسلمين واعتبرها تزيد من التباعد وتعزّز الكراهية وتعطي المبررات لتفلت المتطرفين والمتعصبين من الجهتين.
وعندما قام الداعية بإلقاء كلمته التي شدد فيها على الأسس الشرعية للتسامح في الإسلام، أخذت الحماسة أحد الحضور لشدة إعجابه بالكلام فهتف قائلاً: "تكبير"! فما كان من الجموع إلا أن انتفضت مرددة "الله أكبر... الله أكبر"! وقوفاً ملوّحين بالقبضات، وفيما كان داعيتنا يبتسم لتفاعل الحضور الإيجابي اجتاحت الضيف الكندي نوبة هستيرية من الخوف، وقفز من على المنصة محاولاً الهرب من القاعة خوفاً على حياته من الجموع "الغاضبة".
عندها ساد الصمت القاعة وتوجّه الداعية ذو الوجه السموح ليهدئ من خاطر الضيف الذي تنبّه الى أنه وقع في سوء تفاهم، معتذراً عن ردة فعله المبالغ فيها، ولكنه قال لمضيفه بأنه حين سمع أصوات التكبير تذكّر أحد التسجيلات الإلكترونية المشهورة حين قامت مجموعة متطرّفة بذبح أحد المخطوفين، بينما كان بعض المشاركين يهتفون "الله أكبر"، فظنّ لوهلة أنها إشارة للقضاء عليه، وهذه قصة رويتها من دون تحريف.
في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، وبعد دخول قوات حافظ الأسد مجدداً الى مدينة طرابلس بعد مؤامرة مع بعض التنظيمات الإسلامية المسلحة، والتي ذهب ضحيتها أبي عربي (خليل عكاوي) ولاحقاً مئات عدة من أبناء باب التبانة على أيدي مخابرات النظام السوري (وكانت يومها بقيادة وزير الداخلية السوري الحالي)، دعا حافظ الأسد مجموعة من القيادات الإسلامية في مدينة طرابلس وحاضر فيهم مزايداً على الصحوة الإسلامية ودور الإسلام في مواجهة الاستعمار، هذا بالإضافة الى سلة الكلام المعروف عن القدس وحلمه بأن يصلّي يوماً في المسجد الأقصى. وكان لي صديق ضمن الحضور أكد لي متأثراً بأن الرئيس الأسد لا يريد من حياته إلا جنازة تشبه جنازة الرئيس جمال عبدالناصر. كل ذلك كان بالتزامن مع الاتصالات التي لم تنقطع يوماً بين مخابراته وأجهزة المخابرات الأميركية حول مسائل متعددة ومن ضمنها مسائل خطف الأميركيين على أيدي منظمات إسلامية في لبنان تبيّن لاحقاً أنها أسماء وهمية لما أصبح لاحقاً "حزب الله".
الواقع هو أنه لطالما حيّرتني تلك القدرة المميزة لطغاة العرب للعب على التناقضات ومع أن هذه اللعبة كانت ولا تزال مكشوفة، فقد كانت فعّالة بشكل لا يقبل الشك.
من منّا لا يذكر لقب "الرئيس المؤمن" أنور السادات الذي استعمله في مواجهة اليساريين والقوميين والناصريين في الوقت نفسه الذي كان يغازل فيه الغرب الى أقصى الحدود الى حد زيارته الشهيرة الى إسرائيل.
من بعدها، وتدريجاً تحوّلت المتاجرة لهؤلاء الطغاة على موضوع واحد ألا وهو مواجهة التطرّف المتمثل بالأصولية الإسلامية، وقد تضاعفت مردودات هذه التجارة بعد ظهور تنظيم القاعدة.
لقد حاول رموز الأنظمة الاستبدادية على تنوّعها في العالم العربي تبرير استبدادهم على أساس أنهم خط المواجهة الأول للغرب ومبادئه العلمانية مع هذا الإرهاب ومن دونهم تتحوّل بلدانهم الى "قندهارات" بالجملة تفرّخ الإرهابيين بالملايين. يعني أن هؤلاء كانوا يمارسون القمع لمصلحة الأنظمة الديموقراطية في الغرب ولحماية المسيحيين في الشرق.
لذلك، فإنه من مصلحة النظام السوري اليوم أن يكون ما هو متعارف عليه إعلامياً بمظاهر التطرّف الإسلامي واجهة للثورة السورية لأن جزءاً من المعركة اليوم هو كيفية كسب الرأي العام الدولي، وبالأخص الغربي لأنه الأقدر على الضغط على النظام السوري. ويكفي المواطن الغربي أن يشاهد الرمزيات التي تذكره بالطائرات التي تحوّلت الى صواريخ قتلت الآلاف منهم في البرجين الشهيرين وحوّلت محطات القطارات في بعض العواصم الأوروبية الى مقابر جماعية.
على هذا الأساس، فلا مصلحة للشعب السوري في سياق مواجهته مع النظام بأن تكون شعارات نضاله الوطني والمدني مماثلة لما أصبح متعارفاً عليه بأنه من مظاهر التطرّف الإسلامي. صحيح أن المواطنين الذين يخرجون كل يوم جمعة بعد الصلاة هاتفين بشعارات إسلامية، أو الذين تجمّعوا استجابة لدعوة الشيخ أحمد الأسير، ما يدفعهم في الأساس هو حميّتهم الإنسانية وتعاطفهم مع الشعب السوري الذي يتعرّض للقتل والاضطهاد، ولكن إطلاق العنان للشعارات والمظاهر ذات الطابع المتطرّف قد تؤدي الى خسارة المعركة الإعلامية لمصلحة النظام السوري.
0 comments:
إرسال تعليق