ولد الهدى فالكائنات ضياء/ وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله/ للدين والدنيا به بشراء
والوحى يقطر سلسلاً من سلسلٍ/ واللوح والقلم البديع رواء
* السلام عليك أيها النبى يوم ولدت.. ويوم دعوت.. ويوم تبعث حياً
* السلام عليك أيها الفاتح الرحيم، الذى دخل مكة غداة النصر ساجداً على قتب بعيره، ولم يدخلها فى موكب نصر يحشد فيه الأسرى، وتعرض فيه الغنائم.. وقلت «أحلت ساعة من نهار»، وأطلقت صيحتك «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
* السلام عليك أيها المعلم الحكيم الذى قال: «إنما بعثت معلماً»، وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
* السلام عليك يا مَنَّ امتن الله به على المؤمنين، فقال: «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين»، وإذ مدحك فقال: «فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ولو كُنْتَ فظاً غليظ القلب لانْفَضُّوا مِنْ حولك»، وقال: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
* السلام عليك أيها النبى الذى حملت القرآن، وأوتيت جوامع الكلم، فقلت: «لا ضرر ولا ضرار»، «المؤمنون عدول يسعى بذمتهم أدناهم»، «المؤمنون فى توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر»، «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً».
* السلام عليك يا من ختم الله به عهد الأنبياء والمعجزات ليبدأ عهد الإنسان والعقل.
* السلام عليك أيها النبى.. يا من توفر فيه من الملكات والمواهب المتنوعة ما لم يتوافر لعبقرى آخر، فقد كان حاملاً لشرعة دينية، وكان قائداً عسكرياً مظفراً وكان سياسياً من نمط فريد، وكان خطيباً بليغاً، أوتى جوامع الكلم، ومثلاً أعلى فى الخلق، وهذه الصفات لم تتوفر لأبطال التاريخ.
من ذا يسامى هذه المآثر، أو يظفر بمثل هذه المنزلة؟
لقد كان الإسكندر فاتحاً عسكرياً مظفراً، وتتلمذ على يد أعجوبة البشرية أرسطو ولكنه لم يكن المشرع ولم يكن النبى، وما أكثر ما غلبته انفعالاته وورطته فى منكرات وآثام.
وكان «أعجوبة البشرية» أرسطو فريداً فى الفلسفة والمنطق والآداب والعلوم، ولكنه لم يكن رجل الدولة ولا رجل الدين، ولا القائد العسكرى.
وكان «قيصر» رجل دولة، ورجل سياسة، وآداب، وقائداً منتصراً، ولكنه لم يكن رجل الدين أو المشرع، وفوق هذا فقد كان رجل كل امرأة.. وامرأة كل رجل.
وكان «نابليون» رجل دولة، ورجل سياسة وقائداً عسكرياً، ومشرعاً، ولكنه لم يكن صاحب الدين أو رجل اللغة والأدب أو المثل الأعلى فى الأخلاق.
وكان كل من «شكسبير» و«جوته» علماً من أعلام الأدب والشعر والمسرح، ولكنهما كانا أصفاراً فى السياسة والتشريع والقيادة العسكرية أو الرسالة الدينية.
إن الشخصية الباهرة غير العادية لك يا رسول الله قد فرضت نفسها من الوهلة الأولى مع تلك الجملة التى ما كانت تشبيهات شكسبير وتهاويله لتصل إلى ما هو أبعد منها، لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى.. على أن أترك هذا الأمر ما تركته.
فهل كان يمكن للإسكندر، أرقى ثمرة للثقافة الهيلينية، وتلميذ أرسطو أن يقول شيئاً كهذا؟
أى قائد، أو ملك أو إمبراطور أو نبى فى العالم يستطيع أن يقول كما قال محمد عن أصحابه: «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».
وأصحاب أى قائد ظفروا من الأجيال بتوقير وتبجيل كما ظفر الصحابة؟ إن مجد محمد الذى انعكس عليهم امتد إلى أصحابهم، فقيل لهم: «التابعون»، وإلى أصحاب هؤلاء فقيل: «تابعو التابعين».
أى جنود معركة نالوا مثل «الوسام» الذى منحه محمد لجند بدر «.. إنه شهد بدراً وما يدريك.. لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم».
أى بشر يصل به الاعتزاز وتملك قيادة البلاغة وقوة التصوير إلى أن يقول لأصحابه: «لو كنتم فى أهلكم كما تكونون معى لصافحتكم الملائكة»!!.
* السلام عليك أيها النبى الذى حقق «اليوتوبيا» التى تمناها المنظرون السياسيون عندما أسس دولة «المدينة».
بدأ الرسول بإقامة المسجد بتكوين الجامع ليكون المصلى والمنتدى العام، فما أن يَجِدَّ جديد حتى تعلو الصيحة: «الصلاة جامعة» فيدعوا ما بأيديهم ليدخلوا المسجد للمشاركة فيما قد جد، وبعد بناء المسجد عقد أُخُوَّة ما بين الأنصار والمهاجرين.
وأخيراً، وضع وثيقة المدينة التى قررت أن الأنصار وهم أهل المدينة الأصليون.. والماهجرين الذين هاجروا إليها من مكة فراراً من الاضطهاد، واليهود الذين حالفوا الأنصار.. أمة واحدة.. للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم، وهم يتعاملون بالمعروف، ويدافعون عن المدينة.
قرر الرسول بهذا مبدأ «المواطنة» عندما جعل من الأرض العنصر المبرر وحده للمواطنة، فكل مَنْ يعيش على أرض واحدة فهو مواطن فيها، وإن كان مهاجراً إليها.. وإن كان دينه مختلفاً، وهذا ما لم تكفله كل القوانين الحديثة، والتى لا تعطى المهاجرين هذا الحق.. أو تحرم مَنْ يختلف دينهم.
وصف شوقى هذا المجتمع الفريد، فقال:
داء الجماعة من أرسطاليس لم/ يوصف له حتى أتيت دواء
فرسمت بعدك للعباد حكومة/ لا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحده/ والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة/ والأمر شورى والحقوق قضاء
الاشتراكيون أنت إمامهم/ لولا دعاوى القوم والغلواء
كانت الصفة البارزة لهذا المجتمع هى «المساواة» أو «حكم القانون» أو «دولة الإنسان»، ولم يكن لأى واحد ـ بما فى ذلك الرسول نفسه ـ أن يتميز عن الآخر.. وقد عرض الرسول نفسه للقصاص.
كان الإنسان مكرماً فى دولة المدينة، آمناً على حريته، لا يخشى أن يسجن، لأن المدينة ليس فيها سجن أو بوليس، كما لم يكن يخشى حاجة أو فاقة، لأن الزكاة تكفل له حاجته، ولأنه لم يكن مطالباً بضريبة من أى نوع، فلم تكن المدينة لتفرض ضرائب، وكان حراً، آمناً من الخوف، آمناً من الجوع.
وفى مقارنة لنا فيما بين ديمقراطية السوق فى أثينا، وديمقراطية الجامع فى المدينة.. رأينا أن ديمقراطية الجامع تَرْجَح ديمقراطية السوق، لأن ديمقراطية السوق كانت تحرم النساء والعبيد من حق الاشتراك فى مناقشة الأمور العامة، فى حين أن ديمقراطية الجامع كانت تضم الجميع، وتسمح بأن تقوم امرأة فتعترض على عمر عندما أراد تحديد المهور لأن القرآن يقول: «وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثما مبيناً» (النساء: ٢٠).
فيسلم عمر لها، ويقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
كانت الدولة التى أقامها الرسول معجزة، لأنها تجردت من أبرز ما يميز الدولة فى العصر الحديث، أن تكون أداة قهر، وأن يكون لها جيش متفرغ، وبوليس، وسجون، وأن تفرض ضرائب، وكانت «المساواة» هى القيمة الغالبة، وكانت دولة القانون، كما كانت دولة الإنسان.
وهى فى النظم، كالقرآن فى الكتب.. معجزة لا تتكرر.. ولكن يمكن أن تستلهم كما يستلهم القرآن.. لتحقق فى الحكم نظاماً أدنى ما يكون إلى الكمال.
0 comments:
إرسال تعليق