الاثنين، مارس 26، 2012

ملاحظات من حافة الهاوية!


ميشيل كيلو
ليست الأزمة التي تمر سوريا فيها اليوم غير النتاج المباشر لتأخر الإصلاح، أو بالأصح: النتيجة التي ترتبت على إصلاح جزئي وأعرج، أريد له أن يحرك الاقتصاد ويجمد السياسة، فكانت النتيجة تحول الإصلاح الاقتصادي إلى عامل أنتج جوانب إضافية وجديدة لأزمة عامة مزمنة، أضافت أليها بعدا اجتماعيا ظاهرا، بما ترتب عليها من تشوه إضافي في توزيع دخل وطني كان بحاجة إلى تصحيح هيكلي عميق، ومن إضرار بالقوى العاملة والمنتجة وبقسم واسع من أصحاب المرافق الصغيرة والمتوسطة، وكثير من الصناعيين والتجار، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بقدرة شرائية متناقصة إلى حد العوز في الداخل، وبمنافسة صينية وتركية، أو صينية/ تركية متعاظمة في الخارج، بينما حوّل انعدام التخطيط والتبصر سوريا من جديد إلى بلد مستورد للقمح (تستورد سوريا، البلد الزراعي، سلعا غذائــية بقرابة مليار دولار أميركي سنويا، وتستورد الآن القمح بينما ينضب نفطها) وأدى تجاهل خطر الجفاف، الذي كانت الأمم المتحدة قد نبهت إليه في تقرير رسمي أصدرته عام 1981، قالت فيه أن المناطق الزراعية في بلدان الشرق الأوسط ستشهد تناقصا حادا في محاصيلها سيقارب النصف في بعض المناطق نتيجة موجات جفاف ستضربها، وإن عليها الاحتساب لذلك منذ الآن في ما يتعلق باستخدام المياه وطرق الزراعة وأنواعها، وأنماط التغذية والاستهلاك، والتخطيط الاقتصادي والاستثمارات (فهمت تركيا التحذير فبنت 32 سدا في مناطقها الجنوبية، التي تحولت إلى جنة زراعية!).
لم تفعل السلطات شيئا لدرء الخطر، بل إن الرجل الأول في الاقتصاد السوري الأستاذ عبد الله الدردري اعترف مؤخرا أن الزراعة ليـست قطاعا مفتاحيا في اقتصاد السوق الاجتماعي (يسمونه في سوريا اقتـصاد السوء الاجتماعي). لا عجب إذن إن كانت نتيجة هذا التطور تعميم البطالة وتوسيعها بدل تقليصها وتخفيضها، وتزايد نسبة الفقراء إلى حد الخطورة (إذا كان خط الفقر هو دولاران في اليوم، فنسبة الفقراء تبلغ قرابة 50 %، وإذا كان ثلاثة دولارات، فهي 37 % حسب محاضرة ألقاها الدكتور قدري جميل أمام جمعية العلوم الاقتصادية في دورتها الماضية.
بالمقابل، يقول الأستاذ الدردري: إن نسبة الفقراء في سوريا انخفضت إلى 9 %، في حين يقر الاتحاد الأوروبي إن نسبة الفقراء لديه تبلغ 13 %. هكذا تكون سوريا أفضل حالا بمرتين من الاتحاد الأوروبي!، لذلك بدأت منظمات تابعة للأمم المتحدة توزع الغذاء في منطقة الجزيرة، التي كان يقال إنها ستطعم سوريا وقسما من العالم العربي، بينما هاجر قرابة 300 ألف مواطن (يقول بعضهم إن الرقم يفوق المليون!) من هناك، إلى أحزمة الفقر والبطالة حول المدن الكبرى والمتوسطة، التي تعج بالسكن العشوائي والخدمات غير المنتظمة. وقد قال مكتب الإحصاء في دراسة رسمية إن الأسرة السورية التي تتألف من خمسة أفراد تحتاج إلى 32 ألف ليرة سورية شهريا كي تعيش حياة متوسطة المستوى، بينما هي تتلقى 14 ألف ليرة سورية في الشهر!.
كان يراد للاقتصاد أن يقنع الشعب بضرورة بقائه غائبا عن المجال السياسي، فإذا به يلعب دورا كبيرا في إجباره على العودة إليه .وكان يراد له أن يكون رافعة علاقة جديدة بين النظام والشعب، الحرية فيها اقتصادية واجتماعية (جزئيا)، فإذا «باقتصاد السوء» الاجتماعي يضيف جوانب مجتمعية لا تحتمل إلى أزمة عامة، لطالما أدارها النظام بدرجات متفاوتة من التمكن، بالتركيز على السياسة الخارجية كمكان لإنتاج الشرعية الوطنية، والاقتصاد كأداة إعادة توزيع دخل تفيد منه قطاعات كبيرة من سكان الأرياف. بما أن سكان الأرياف صاروا المتضرر الأكبر من السياسات الجديدة، فإن وقوع الاضطرابات في مناطقهم يبدو أمرا مفهوما.
في هذه الفترة عينها، تحولت السياسة الخارجية خلال الأعوام القليلة الماضية من التركيز على المجال القومي، حيث ساد اقتناع واسع، داخلي وعربي، بأن النظام هو آخر المدافعين عن الأمة، إلى الانخراط في حاضنة جديدة هي المجال الإقليمي، المتمحور حول ثلاث قوى غير عربية هي تركيا وإيران وإسرائيل، مع ما ترتب على الانتقال إليه من تخل عملي عن أولويات موروثة، قومية ووطنية، وارتباط بسياسات إقليمية فرضت على سوريا التزامات وواجبات حيال حلفائها الجدد هي بغنى عنها، دون أن يكون لها، بالمقابل، مشاركة حقيقية في رسم استراتيجيات هؤلاء (وتحديدا منهم إيران)، أو في التأثير على خياراتهم الكبرى، التي بنيت أساسا على ضعف أو إضعاف العرب، وعملت على اختراقهم وشحنت مجالهم القومي بعناصر تفتيت مختلفة، أخطر نتائجها تقدم توجهات مذهبية متنوعة وما نجم عنها من صراعات تمزيقية على مستوى النظم الحاكمة والقاع المجتمعي والشعبي وتراجع الفكرة القومية الجامعة ورابطتها العروبية.
بالوضع الذي أنتجه اقتصاد السوق الاجتماعي، والسياسات الخارجية الجديدة، نكون أمام عاملين مهمين يفسران جوانب من واقع الحال السوري الراهن، الذي أنتجته حقبة ما بعد حافظ الأسد، وعادت الأمور معه إلى نقطة أدنى وأكثر تعقيدا بكثير من تلك التي أريد للحل أن يبدأ منها ويتصدى لمشكلاتها، وكان النظام الحالي قد ورثها عن سابقه، لكنه فشل في الخروج منها وزادها تعقيدا بإضافة عناصر جديدة إليها، ظن أن فيها حمايته في الداخل ومن الخارج، وأنها تمكنه من تجنب الإصلاح الذي اقترحته عليه قوى وتيارات داخلية متنوعة، وجوهره المصالحة الوطنية وأولوية حل مشكلات البلاد، ووقف الصراع على السلطة، وبلورة عقد وطني/ اجتماعي جديد يأخذ سوريا إلى نظام انتقالي، هو مرحلة لا شيء يمنع من أن تكون مديدة نسبيا، إلى التعددية ثم الديموقراطية، فيه حماية البلاد والعباد واستقرارهما على أرضية حامل مجتمعي يضم أغلبية الشعب الساحقة، من شأن تشكله ككتلة تاريخية جديدة أن يعيد إنتاج الحياة السياسية على أسس سليمة، ويتيح لسوريا ممارسة دور قومي فاعل، بعد أن يضع حدا للانقسامات الداخلية إلى معارضة وموالاة، ويؤسس لنمط مغاير من العلاقات الوطنية، يتعاون من خلاله وطنيون سوريون متعاونون لحل مشكلات بلادهم وحماية وطنهم.
[[[
هذا هو المستوى الظاهري والمباشر من واقع الحال، أما خلفياته، التي أنتجت أزمة سوريا والنظام، العامة والدائمة، فهي مستوى أعمق وغير ظاهر ترتبت عليه خلال نيفٍ وأربعين عاما مشكلات لم يرغب أحد في حلها، كان إصلاح السوق الاجتماعي محاولة فاشلة للهرب من مواجهتها والالتفاف عليها. هذه الخلفيات هي باختصار:
1- قيام البعث بإنتاج الواقع انطلاقا من أيديولوجية قومية/ اشتراكية لا تملك أدوات ووسائل حل ما سببته فيه من أزمات وركود. هذه الأيديولوجية تخلى النظام عن جانبه الاجتماعي والاقتصادي، لكنه تمسك بالأبنية السياسية و«الفكرية»، التي ترتبت عليها. وبما أنه استعار سياسات وممارسات اقتصادية من خارج منظومته الأيديولوجية، استخدمها للحفاظ على أبنيته السياسية المتناقضة معها، فإن المرونة الاقتصادية والجمود السيــاسي لعبا دورا غـير قليل في بلبلته ووضعه أمام تعقيدات عامة طاولت كل مجال وميـدان، وخاصة علاقاته مع المجتمع، الذي وافق على «تحريره» اقتــصاديا، لكنه كلف أجهزته الأمنية بالسهر على احتجازه السياسي الخانق، مما قوض شرعيته ووضع وعود إصلاحه في مهب الريح. بما أنه لم يعد بالإمكان جسر هذا التناقض، فإن ضبطه صار مشكـلة وجدت لها حلال هو الأسوأ: تحالف أركان النظام مع فئات غنــية جـديدة، خرجت بين ليلة وضحاها إلى الـنور، ونأت بنفـسها عن قوى العـمل والإنـتاج (بما في ذلك الصنـاعية والزراعية والتجارية منها)، وعزلت نفسها عن الناس.
لقد كلف قران عقد في مدينة اللاذقية، وحضره مسؤولون كبار، بين شاب وفتاة من أولاد هذه الطبقة مئة مليون ليرة سورية، بينما كانت أسر فلاحية تغادر الجزيرة هربا من الفقر والجوع!
أمعنت السلطة في التنكر لمشكلات وأوضاع أغلبية الشعب، وتجاهل الآثار التي أحدثها تقدم المجتمع الطبيعي في سائر الميادين، وما عرفه من تحولات نوعية في كل صعيد، بعيدا عن السلطة. لا عجب إن عجزت خيارات النظام عن وقف التدهور العام، وعن احتواء الأوضاع بالوسائل القمعية والعنيفة، وأن يترتب عليها تشتت وضعف مركز السلطة، وتزايد أخطائها، التي شهدنا مثالا عنها في درعا، حيث تسبب ضابط أمن كبير في تفجير وضع كان الراغبون في تفجيره لا يعــرفون كـيف يفعلون ذلك. صارت الأيديولوجية السـائدة عاجزة وضــارة، ولم يعد لها وظيفة غير التذكير بافتراق النظام عن أهدافه لأصلية: الوحدة والحرية والاشتراكية، بينما قوضت الوسائل المستعارة من عالم أيديولوجي مختلف، وأهمها سياسات اقتصاد السوق الاجتماعي، ما كانت تريد توطيده: الأمر القائم، بأن قلصت قاعدته وقلبــته إلى نظام قلة منتفعة تضبط بوسائل غير سياسـية، تقوم على التــخويف والإكراه، شعبا يفقد أكثر فأكثر الأمل في حل مشكلاته من خلال السياسات المتبعة، وقللت ما كان متوفرا من إجماع عليه لدى أوساط كثيرة، ريفية ومدينية.
2- لعبت سيطرة الحزب، وهو تكوين جزئي، على الدولة، وهي كيان شامل ومجرد وعام، دورا هائل الخطورة في إنتاج أزمة هيكلية لم ينجح أحد في التخلص منها: في العالم وعندنا. بهذا التشوه، انقلب الشأن العام رأسا على عقب، وصار كهرم حلت قمته محل قاعدته، يقف على رأسه ويعيد إنتاج نفسه منه بدل أن يقف على قاعدته، على الشعب، ويقوم عل التراضي والقبول الطوعيين. كما غابت عن السياسة المفاهيم التي تأسست تاريخيا عليها، منذ أفلاطون وأرسطو إلى هيغل وماركس، وغاب نتيجة لذلك الواقع الحديث الذي يبنى عليها، وحل محل المواطنة والحرية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والدولة المدنية والديموقراطية وحكم القانون واستقلال القضاء وحرية الصحافة واقع ارتكز على حالة الطوارئ (فرضيتها: السلطة وحدها تؤتمن على الوطن، أما الشعب فلا!) والأحكام العرفية، والقوانين الاستثنائية، فغدا كل شيء شكليا وفقد وظيفته، وخاصة المجلس الذي يذكر اسمه بالشعب، ووقع انتقال تدريجي في السلطة أخذها من الحزب إلى الجيش إلى الأمن، وجعلها نقطة انطلاق ومآل أية فاعلية عامة من أي نوع كان، حتى حلت أخيرا محل الوطن، أو صار الوطن تابعا لها، وغاب عن مصالح الدولة العليا كل ما يتعارض مع مصالحها، وتحول المجتمع المدني إلى خصم وعدو، بدل أن يكون الحامل السياسي والقانوني والشرعي للشأن العام، وتاليا للدولة.
المشكلة الكبرى هي أن السلطة تتمسك بهذا الوضع المشوه وتعتبره وضعا طبيعيا، وترى في نفسها المحل الوحيد لإنتاج السياسية والشرعية، وتعتبر أية مطالبة منظمة بأي شيء ينتمي إلى الحقل العام، مهما كان بسيطا وثانويا، عدوانا عليها وتهديدا لأمن الوطن. بما أن المشكلات تتزايد وتتعقد، ووسائل حلها تتناقص، فإن طابع السلطة الأمني يتعاظم، ودور أجهزتها القمعية يتوطد ويصــير عاما وشاملا. بذلك تسهم هذه، من حيث لا تريد، في تعقيد وتفاقم الأزمة، وسد سبل حلها بوسائط السياسة وتوازناتها، السلمية والحوارية، ويتم إضفاء طابع أمني على مشكلات لا يحلها بالقمع، كمشكلة الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة والحقوق العامة والخاصة، التي تحولها العقلية الأمنية إلى ألغام وتعامل مناصريها كأعداء، مع ما يؤدي إليه هذا السلوك من تحول نظام كان تقدمي الوعود إلى قوة محافظة هنا ورجعية هناك.
3- لعب التمسك بهذين التشوهين دورا حاسما في إحباط موجة الإصلاح الأولى، التي عرفتها الأعوام العشرة الماضية، وسيلعب التمسك بهما اليوم دورا مماثلا في إحباط موجته الراهنة، التي أقر النظام بشرعيتها ووعد بتحقيق مطالبها. لن ينجح أي إصلاح، مهما كان جزئيا ومحدودا، إذا لم يصحح هذا التشوهان الهيكليان. بقول آخر: هناك مستوى من الإصلاح يلامس سطح المشكلات، يستهدف إعادة إنتاج النظام الراهن في شكل جديد، لكنه يحافظ على أبنيته، يشبه محاولة الإصلاح الأول، التي تؤكد موجة الاحتجاج الراهنة فشلها. وهناك مستوى للإصلاح يأخذ بعين الاعتبار أسباب الأزمة العميقة، البنيوية، فيعالجها، بدل أن يتصدى لنتائجها: لمظاهرها السطحية، فيكون إصلاحا تقنيا أو برانيا كالإصلاح الحالي، الذي ينكر أهل النظام وجوده، كي لا يقروا بأنهم قاموا بإصلاح فاشل، أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم. في هذا المستوى المطلوب من الإصلاح، الذي سيتيح تنفيذه انتقال سوريا إلى طور سياسي جديد سيغير مفردات كثيرة في واقعها الحالي، لكنه سينقذها كوطن، بما سيقيمه من توازنات ومراكز سياسية مختلفة عن تلك القائمة اليوم على صعيدي السلطة والمجتمع، وسيحدثه من تبدل في طرق تفكير وأبنية وأساليب إعادة إنتاج سلطة عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لأي شيء غير إنتاج وإدارة الأزمات، وسيعيد إنتاجه من أوضاع تبرز أولوية الدولة كممثل للمجتمع على السلطة كمعبر عن النظام، وتضع الأخيرة في خدمة الأولى، بعد تحويل حزب البعث إلى تنظيم سياسي حقيقي يستعيد حريته بانفكاكه عن سلطة أتبعته بأجهزتها واخترقته، ففقد كغيره من تنظيمات السياسة مكانه الحقيقي من المجتمع والدولة، اللذين صارا فرعين منه بدل أن يكون هو فرعا منهما، وإعادة إنتاج المجال السياسي والشأن العام انطلاقا من حاملهما الرئيس: المجتمع المدني، مجتمع المواطنين الأحرار والمنتجين، المواطنة والقانون والدولة المدنية والعدالة والمساواة، والوحدة العربية وتحرير فلسطين .
4- هذه التشوهات المضاعفة، قضت على السياسة بمعناها العربي القديم: بوصفها فن تدبير مصالح الناس، وحولتها إلى ساحة عنف شحن علاقات المجتمع والسلطة بسمات تضمر عوامل التنافي المتبادل، الذي تجسد في استقرار اخترقته توترات معادية للسلطة، كامنة وخطيرة الطابع وقابلة للانفجار، وفي ملاحقة حثيثة وآنية لكل من هب ودب من الخلق، حتى أنه ليصعب أن يجد المرء يوما في تاريخ سوريا بعد 8 آذار عام 1963 يخلو من اعتقالات ومطاردات، وفي أحيان كثيرة: من عنف. ولعله من الضروري هنا التذكير بما كتبه أحد رؤساء فروع الأمن عام 2001 عن حراك المجتمع المدني، حين قال إنه «يجعل من الصعب على أجهزة الأمن احتواء المجتمع «!. هل يصدق أحد أن هناك جهاز أمن يجعل هدفه احتواء المجتمع؟
قال الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير: لا خلاف على الإصلاح، والمسألة هي: أي إصلاح نريد. هذا وصف دقيق للواقع. ليس كل إصلاح هو الإصلاح المنشود. ويؤكد فشل إصلاح ما بعد عام 2000، الذي حرك الاقتصاد ليبقى الحقل السياسي حكرا على حزب واحد، ويغطي الأزمة الهيكلية للنظام، حاجتنا إلى إصلاح من نوع مختلف، يجتث جذور الأزمة العميقة، غير الظاهرة، ولكن التي تحتجزنا وتضعنا على مشارف مآزق بالغة الخطورة، تكبح قدراتنا وتعرقل تطورنا، فرضت علينا عقلية أنتجت خيارات أوصلتنا إلى حيث نحن اليوم: على مفترق طرق خطير، لا يعرف أحد إلى أين سيقود البلاد، يؤكد حجم الاحتقان الوطني أنه قد يدمرنا جميعا: مجتمعا وسلطة ودولة، إذا لم نسارع إلى إرساء وجودنا العام على أسس وركائز تنتج علاقات جديدة بين هذه الأطراف جميعها، تغير جديا بنية السلطة وطابعها، وتعيد للدولة اعتبارها، وللمجتمع مكانه ودوره فيهما، وتقطع مع ممارسات سممت حياة سوريا، تارة بالرغبة في تحقيق المستحيل: احتواء المجتمع. وطورا في التعيش على تناقضات مفتعلة أثارتها في صفوفه تحرضه بعضه ضد بعض.
فاتت فرصة الإصلاح الأولى على يد تجربة فاشلة أملاها تصور أراد الحفاظ على نظام لم ينجح أحد في الحفاظ على ما يماثله في أي مكان من العالم. وها هي الفرصة تلوح من جديد لإصلاح يصحح خطأ الأمس الجسيم، فلا بد أن تكون مرجعيته مختلفة عن مرجعية الإصلاح الأول، الذي ألزم نفسه بنظام ألغى الدولة والمجتمع، فكانت النتيجة الأزمة الحالية، المفزعة. ترى، إذا ضيع النظام من جديد هذه الفرصة، هل سيبقى في سوريا أي شيء للحوار والتعايش والسلام الأهلي والوحدة الوطنية؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية