الجمعة، مارس 23، 2012

المقاومة وسيلة وأداة وليست مشروع..!!

حسان القطب


عام 1975 انتصرت دولة فيتنام وأعلنت وحدتها بعد خروج أخر القوات الأميركية من جنوب البلاد على أثر معارك طاحنة استمرت ما يقرب من 15 سنة، وذلك نتيجة المقاومة العنيفة التي أبداها الشعب الفيتنامي، والتضحيات الجسيمة التي قدمها، وحاز حينها بإعجاب واحترام العالم أجمع نتيجة شجاعته وتضحيته وصموده.. ولكن عقب انتهاء الحرب ونتيجة الشعور بالنصر والقدرة على هزيمة أية قوة عسكرية بعد خروج الولايات المتحدة خائبة من تلك الحرب اجتاحت فيتنام عام 1975، دولة لاوس المجاورة لتغيير نظام الحكم والهيمنة عليها، ثم اجتاحت كمبوديا عام 1978، للسبب عينه، وانخرطت فيتنام مع حليفة الأمس دولة الصين في صراع عسكري مرير انتهى بعد مدة وجيزة ولكن بعد أن سقط ضحايا كثر، واضطرت فيتنام في نهاية الأمر للخروج مهزومة من دولتي كمبوديا ولاوس، وتتفرغ بعدها لبناء مجتمعها المصاب المثخن بجراح الحرب العميقة، والعمل على إعادة النهوض باقتصادها وتامين لقمة العيش لشعبها..ولكن بعد أن خسرت وقتاً ثميناً كانت بحاجة إليه لترميم وبناء دولتها وبعد أن كسبت عداء الدول المجاورة والشعوب المحيطة بها نتيجة سوء تقدير سياساتها الخارجية من قبل قادتها المزهوين بالنصر.. ما نريد استنتاجه هنا هو أن بعض القوى ونتيجة خروجها من حربها أو معاركها منتصرة أو غير محبطة على الأقل، تبدأ في البحث عن ساحة صراع جديدة، وكأن الحرب مهنة لا تعرف سواها..والاحترام والتقدير الذي حظيت به هذه الجماعة أو الحزب أو الدولة في مرحلة معينة يتقلب إلى عداء بينها وبين جيرانها وحلفائها نتيجة ممارساتها العدائية.. لذلك أصاب تاريخ المقاومة الفيتنامية النسيان لأنها انتقلت من مرحلة مواجهة المعتدي لتمارس سلوك الاعتداء بنفسها على جيرانها، وما قاومته بكل جرأة واقتدار وعزم قامت بفرضه على دول مجاورة من ممارسات ظلمٍ وقهرٍ واحتلال....فواجهت فيتنام مقاومة شعب لاوس وكمبوديا ورد الفعل الصيني العنيف..
وهذا الخطأ وقع فيه حزب الله في لبنان، إذ بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب المحتل لم يحسن التحول أو ربما لم يملك القدرة على اتخاذ القرار بالتحول إلى العمل السياسي على الساحة اللبنانية، والحفاظ على الرصيد الطيب الذي اكتسبه كمقاومة في معارك التحرير والمواجهة مع المحتل الإسرائيلي..والإعجاب المحلي والعربي والدولي بمقاومة حزب الله تحولت إلى خوف وقلق لدى الجميع من نشاطات حزب الله ودوره السياسي والأمني في لبنان والمنطقة. كما بإمكاننا أن نلحظ أن الخلاف مع حزب الله سواء محلياً أو خارجياً لم يكن حول موضوع المقاومة ومفهومها وشرعيتها أو على طريقته وأسلوبه وشعاراته في المقاومة، بل على مواقفه السياسية وطموحاته الداخلية ودوره في العالم العربي والإسلامي وارتباطاته التي تخدم طموحات دولة إيران في العالم العربي والعالم الثالث....إذاً المقاومة هي ممارسة مشروعة وحق مكتسب لكل شعبٍ تتعرض أرضه أو دولته لاحتلال أو كرامته لسوء، فهي عملياً وفعلياً رد فعلٍ على سلوك عدائي يقوم به الغير.. ولذلك سميت مقاومة، وهي وسيلة وأداة لتنفيذ التحرير أو الخلاص أو الرد وليست هي غاية بحد ذاتها أو هدف أو مشروع.. ولكن مع الأسف يقوم قادة حزب الله بتعريف مقاومتهم على أنها مشروع..يحمل في طياته كما يبدو أهدافاً تتجاوز الرغبة في تحرير الأرض المحتلة بل تتجاوز قدراته ودوره مساحة الوطن والكيان اللبناني برمته بل وحتى العالم العربي والإسلامي، وذلك حين رأى وزير الزراعة في حكومة حزب الله حسين الحاج حسن:("أن هناك صراعاً بين مشروعين، مشروع المقاومة والممانعة ومشروع أميركا، ونحن ننظر إلى التطورات العربية على أنها جزء من مشروع الممانعة والمقاومة التي أسقطت حلفاء أميركا وإسرائيل).. هذا الكلام يفيد أن المقاومة هي مشروع بحد ذاته ولكن كيف نقرأ دور هذا المشروع على ساحة الكيان اللبناني..؟؟ هل هذا الكلام معناه أن لبنان هو ساحة صراع مفتوح حتى سقوط حلفاء أميركا، ثم من هم هؤلاء الحلفاء ومن يحددهم، وكيف يكون السقوط وشكله وطبيعته، أو أن الصراع سوف يستمر حتى يسقط النظام الأميركي مثلاً..؟؟ وهل الشعب اللبناني قادر على تحمل تبعات وكلفة ونتائج هذه المعارك والصراعات وإبقاء الساحة اللبنانية مفتوحة في خدمة صراعات لن تنته إلا بانتهاء أحد الفريقين.. وحتى نكون أكثر دقة لا بد من الإشارة إلى مواقف حزب الله التي تتجاوز الكيان اللبناني والرغبة في تحرير الأراضي المحتلة في تلال شبعا وكفرشوبا، وحيث تفيد هذه المواقف في نفس الوقت بأن لبنان ساحة نصرة ودعم لقوى يؤيدها حزب الله ويدعمها إعلامياً وربما مادياً:
- يؤكد حزب الله الرغبة في إسقاط حلفاء أميركا والداخل اللبناني، وحملة الاتهام لكل من يخالفه الرأي جاهزة وهنا يقول نواف الموسوي: ("المشكلة في لبنان، هي أن بعض من يحمل على المقاومة غير مستعد للتعايش معها، وهو يسعى إلى القضاء عليها من خلال التطورات الإقليمية، والرهان على سقوط النظام السوري، لأن هناك نزعة تكفيرية سياسية في لبنان، لا تعترف بالآخر المقاوم، وتنظر إليه نظرة إستئصالية انتحارية تضر بمن يحملها قبل غيره") هذا الكلام يستبطن اتهاماً وتهديداً في آن واحد بنفي القدرة على التعايش بين الفريقين، ومن يملك القدرة على الاستئصال هو من يملك السلاح والمشروع؟؟ ومن هو الذي يملك فكراً تكفيرياً سياسياً سوى من يعتبر انه وحده يملك الحقيقة والمصداقية وحرية التحرك والتحالف والانخراط في تحالفات إقليمية ودولية ويتجاوز القوانين والأعراف هو وجمهوره..ألا وهو حزب الله؟
- في كل مناسبة يعلن حزب الله دعمه لنظام سوريا الذي يواجه شعبه بالحديد والنار تماماً كما أيدت وسمحت لنفسها فيتنام بالتدخل في لاوس وكمبوديا فكسبت بذلك عداء الشعبين. ولتبرير هذا الموقف اعتبر نائب حزب الله محمد رعد: (أن "من يعترضون على أداء النظام وسياساته اليوم، لا يشكلون غالبية في الشعب السوري، وأن "المطلوب هو قطع الطريق بين إيران والمقاومة في لبنان مع سوريا"). فهو يريد سوريا وشعبها معبراً لحزبه، دون الالتفات لمصالح الشعب السوري وطموحاته ورغبته بالتحرر والعيش بكرامة..؟؟ وأظن هذا الموقف كافياً لاستعداء الشعب السوري..؟
- يدعم ويؤيد حزب الله الفريق الشيعي في البحرين بشكل مطلق واحد بياناته يقول: (إن استمرار مسلسل الإرهاب الذي يرتكبه النظام البحريني جريمة كبرى يتحمل مسؤوليتها كل من يقدم المساندة للنظام وكذلك كل من يصمت على هذه الجرائم ولا يتخذ الموقف المدين لها أو الإجراء الذي يوقفها، وأشار إلى أن على رأس هؤلاء يأتي المجتمع الدولي بحكوماته ومؤسساته وهيئاته المختلفة).
لقد نجح حزب الله في استعداء مكون أساسي في الداخل اللبناني وجعل الجميع دون استثناء ينكفئ إلى داخل طائفته، ليشعر بالحماية والأمان، فانقسم المجتمع اللبناني عامودياً وهذا ما دفع وليد جنبلاط للمطالبة باتفاق طائف جديد ولكن بين السنة والشيعة.. ونجح أيضا في استفزاز المملكة العربية السعودية بدعم شيعة القطيف والمنطقة الشرقية في المملكة ولو إعلامياً، وكذلك الشعب اليمني بتأييده للحوثيين بسبب انتمائهم المذهبي، ولم يتوانى عن مهاجمة دولة قطر وهي التي وقفت إلى جانبه مادياً وإعلامياً وسياسياً عقب حرب تموز/يوليو عام 2006، وهي راعية اتفاق الدوحة الذي حصل بموجبه على الثلث المعطل في الحكومة اللبنانية ليسقط حكومة الرئيس سعد الحريري فيما بعد..كما وقف إلى جانب ممارسات جيش المهدي وقوات بدر في العراق دون تردد، ويتجاهل حزب الله معاناة الأقليات في دولة إيران وخاصة عرب الأهواز والمواطنين البلوش والأكراد ويهاج إعلامه حركة الإخوان في مصر وتركيا وغيرها..ويقدم حزب الله إعلامه في لبنان للتهجم على الأنظمة العربية والإساءة للدول العربية والصديقة للبنان والعمل لخدمة التوجهات الإيرانية والسياسات التي تخدم الطموحات الإيرانية دون تردد لأن الدعم الإيراني يتجاوز في معناه وأهميته ودوره حجم قيمته دون شك..
هذا الواقع يؤكد أن حزب الله هو جزء من منظومة إقليمية، وان المقاومة شعار يخدم مشروع يتجاوز لبنان وكيان لبنان والأراضي المحتلة في لبنان، ولو سلمنا جدلاً أن فلسطين لا زالت ضمن هموم حزب الله فتأييد جزء من شعب البحرين وسائر الدول العربية لن يزيد القضية الفلسطينية قوة بل سيخدم مؤامرة تفكيك الأمة العربية والإسلامية وسيقضي على كل أمل بالتحرير والعودة التي يتمناها الشعب الفلسطيني..لذا يكون حزب الله في تركيبته وأدائه وممارساته وارتباطاته مشروع سلطة وتسلط وتورط في سياسات خارجية ودول مجاورة وليس أداة للمقاومة أو أن مقاومته هي فعلاً وسيلة للتحرير..

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية