الثلاثاء، أبريل 23، 2013
حكاية مُسافر في مطار بيروت الـ"لا دولي"
أجد نفسي أحيانا أكثر دقّة من ليلى عبد اللطيف في توقّعاتها، وأحياناً بجدارة ميشال حايك أشهر منجمّي لبنان، إذ كلّما إتّجهتُ نحو بيروت عبر مطارها أجدُ أنّ الأشياء كما رسمتُها في خيالي، من الشرطي الذي ينتظر على أسفل درج الهبوط، إلى سائق التاكسي خارج أو داخل حرم المطار.
فكل ما أتوقّعه، أراه في مطار رفيق الحريري، هذا المطار الذي يحمل إسم الرجل لكنه جُرِّد من كل صلة برفيق الحريري الذي حاول أن يبني مطاراً بمواصفات دولية، فاغتيال 14 شباط 2005 مكّن جميع من هم في المقلب الآخر من السيطرة عليه، وتحوّل هذا المرفق الحيوي إلى المكان الذي هو عليه اليوم.
لستُ حريرياً ولم أكن يوماً كذلك، بل كنت معارضًا وما زلت، وطبعًا ليس هناك من يشرح صدري ضمن سياسيي لبنان كي أحمل في جعبتي شيئًا من أفكاره "العظيمة"... والدليل إنجازاتهم المدمرة في كل الميادين... لكن وأنا في الطائرة أراقب دخول المجال الجوي اللبناني، أشعر بوجعٍ ونوع من "التنميل" لشدّة لفّ عنقي يمنة ويسرة في عملية مسح جغرافي أقوم بها من السماء لأي قطعة من الوطن أراها من ذلك الارتفاع... فإذا رأيت الثلج أبتسم في سرّي وأقول هذا عام جيد ستكون المياه وفيرة... وإذا رأيت البحر أتوجس من اللون حيث يصيبني الشك بحجم التلوث وتعديات "مالكي" الشواطئ اللبنانية، وإنْ رأيت الأوزاعي أتأكد أن الحرب الأهلية لم ولن تنتهي مفاعيلها، وأن الدولة في إجازة حتى إشعار آخر.
كلما اقتربت من المطار زاد يقيني بأن هناك شرطياً ينتظر سيدة ما لا يعرفها، ويناديها بإسمها كي يهرع بها إلى خارج المطار نتيجة "قرابة" أو "تبييض وجه" مع أحد النافذين الحريصين على وجود من يمثّلهم بالمطار لاستقبال قريب أو صديق أو ما يعادله... توقّعي الثاني يتمثّل بشكل وجه رجل الأمن العام العاقد الحاجبين، الذي يوهمك بأنّه يقوم بعملية معقّدة لا مثيل لها في العالم، وهو يراقب صلاحية جواز السفر... ثم يقوم بدفعه بحركة مليئة بالعفوية... تشعرك بأنك غير مرحّب بك على الإطلاق في الوطن لكن هذه المرة لا بأس.
تبدأ المرحلة الثانية التي يتأكّد فيها شرطي آخر من دقّة توقيع الأول بنظرة فوقية مليئة بالدهاء والتوجس والتفكر والقدرة الهائلة على قراءة الأحرف المحبرة...
كون المطار لا يزيد عن حجم محطة باص في أيّة دولة حريصة على سمعتها الدولية، نكتشف سريعاً موقع الحقائب من حركة أفراد "ميليشيا" الحمّالين الذين يتبادلون المزاح والتغامز على الضحايا من السائحين أو المواطنين... غالبًا ما أتعامل بنفسي مع حقيبتي الخفيفة التي تشير إلى عدم قدرتي على البقاء طويلاً في وطن الأرز ...
في المطار حدثٌ يستحق التوقف عنده... أجهزة جديدة عند نقطة الجمارك... أمر فاق قدرتي على وصفه إذ أفقَد مسافري المطار متعتهم بعد أن كان رجل الجمارك يعبث بأغراضهم الحميمة... والتأمل الذي يمارسه وهو ينظر في عيون العائد إلى الوطن ليكتشف ما في حقيبته... قد يكون ذلك حرصاً من الجمارك على "الصناعات" الوطنية.
عند مخرج المطار "الدولي" يصطاد سائقو التاكسي بصوتهم الأجشّ وسيجارتهم المشرعة سائحي البلاد، وبنعومة مفرطة يقول السائق (ولا يهمّك أدّ ما بتريد)... بينما لا تعني هذه الجملة شيئاً، فالأمر ليس سوى (أدّ ما هو يريد) وزيادة لا يقبلها عقل... وفي حال رفضك لهذا العرض غير المغري، قد يتطور الأمر إلى السباب والإهانة والتهديد وبعضاً من الشتائم التي تصيب الوطن الذي أتى منه السائح المحظوظ.
أما تجربة العودة فلن أدخل في تفاصيلها كونكم تعرفونها جيداً، لكن في بعض الإعادة إفادة... الملفت أن رجال الشرطة لا يرتدون كامل ملابسهم العسكرية التي تشير إلى هيبة المكان، ولعلّ هذا الإرث تركه رجال المخابرات السورية عشّاق (الشحاطة الإصبع).
وبعد قرار منع التدخين علا شأن دورات المياه التي تقع تحت سيطرة مجموعة من السيدات اللواتي يمنحنك إذناً بالتدخين شرط دفع مقابل... ومكان التدخين هو دورة مياه المعوّقين... وفي حال استعملت الحمام عليك أن تدفع جزية كي تحصل على المحارم الورقية المخصصة للمسافرين من مطار بيروت الدولي.
يبقى المشهد الأخير قبل الطائرة في المقاهي التي تحتكرها شركة واحدة وتباع فيها عبوة المياه المعدنية العادية بثمانية آلاف ليرة لبنانية، أي ما يعادل ستة دولارات وهي أغلى عبوة مياه بالعالم... وفي حال طال انتظار الطائرة وتورّطت بشراء أي من معروضات تلك المقاهي فأنت في مأزق حقيقي حيث تتعرض لعملية سطو بكل معنى الكلمة... ومن خلال تجربتي مع تلك المقاهي تبين لي أن هذا المرفق الحيوي تحت سيطرة تيار "الإصلاح والتغيير"، تماماً كالمراكز الحيوية الأخرى التي تخضع لقوى أكثر حضورا على المستوى السياسي والعسكري والمليشياوي.
لكل ذلك فإنني أقول للراغب بالسفر من مطار بيروت: إحمل معك أقراص دواء مخفّف لآلام الرأس التي ستنتج حتمًا عن صوت مكبّرات الصوت وهي تنادي المسافرين التائهين دائماً في المطار، والحمد لله أن أماكن التسوق لا تزيد عن بضعة محلات .. فأين يختفي الركاب؟ سؤال أتركه للسيد محمد الحوت أو لوزير السياحة... وهل أقلعت طائرة بدون الركاب المتخلّفين عن الحضور وراقبوا النتائج؟ عزيزي المسافر احمل معك عبوات مياه وقهوة وبعض الحلويات اللازمة والمقرمشات لأن الأسعار داخل مبنى المطار لا تخضع إلا لرغبة صاحب المقهى المحتكر لكل أنواع المشروبات السيئة... وإضافة إلى الخسارة المادية التي يكبّدك إياها، يقدّم لك القهوة في كوب من البلاستيك يكاد يذوب بفعل حرارة أي شيء ساخن يسكب فيه، فيمتزج السكر بالشمع والبلاستيك مع الشاي أو القهوة... شرفتونا... أهلا وسهلا!.
0 comments:
إرسال تعليق