الثلاثاء، مارس 27، 2012
رفسنجاني باقٍ: خيار التسوية مع الغرب ما زال مفتوحاً
الثلاثاء, مارس 27, 2012
اضف تعليق
مهدي خلجي
بطرح الخطاب المتصلب جانباً فإن القرار الأخير للمرشد الأعلى علي خامنئي بإعادة تعيين أكبر هاشمي رفسنجاني كرئيس لـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" في إيران يمكن أن يكون علامة على أنه يُعد النظام لتقديم تنازلات لتسوية الأزمة النووية. وإذا ما قررت طهران التفاوض بجدية مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا فمن المؤكد أن خامنئي سيحتاج إلى شخص مثل رفسنجاني ليرعى العملية. وحيث يزيد الضغط الاقتصادي على إيران ويبدأ نظامها المصرفي في الترنح قد يشعر النظام بأنه مضطر لتقديم تنازلات في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
إعادة تعيين غير متوقعة
رغم جهوده المستمرة والناجحة لتهميش رفسنجاني في النطاق السياسي المحلي طلب خامنئي من رفسنجاني وبشكل مفاجئ أن يستمر رئيساً لـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" لفترة جديدة تبدأ في 14 آذار/ مارس. وبذلك فقد سمح له المرشد الأعلى بأن يحافظ على منصبه السياسي الوحيد المتبقي. ففي عام 2010 خسر رفسنجاني منصبه كرئيس لـ "مجلس الخبراء" الذي يراقب اسمياً أنشطة المرشد الأعلى وعملية الخلافة.
ويبدو أن هناك علاقة صغيرة بين إعادة التعيين والسياسات الداخلية للبلاد. ففي السنوات الأخيرة أضعف خامنئي بشكل منهجي "مجلس تشخيص مصلحة النظام" المفوض من قبل الدستور. فعلى سبيل المثال عيّن محمود هاشمي شهرودي لرئاسة "المجلس الأعلى للتحكيم وتسوية العلاقات" بين "فروع الحكومة الثلاثة" وهو كيان جديد فوق دستوري يمكن بسهولة أن يتدخل بمهمة "مجلس تشخيص مصلحة النظام" لحل الخلافات الداخلية للحكومة. وفي أيار/مايو 2011 أنشأ نموذجاً لـ "مركز النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم" وهو هيئة ذات وصف وظيفي يضاهي المهمة الرئيسية الأخرى لـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" والمتعلقة برسم السياسات العامة للحكومة. وباختصار، فلا رفسنجاني ولا مجلسه سيلعبان على الأرجح دوراً مهماً على الصعيد المحلي.
وعلاوة على ذلك لم يتم إعادة تعيين معظم حلفاء رفسنجاني في المجلس، بمن فيهم وزير الاستخبارات السابق محمد محمدي ري شهري ووزير النفط السابق بيجان زانجانيه ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي (زعيم المعارضة الذي هو حالياً رهن الإقامة الجبرية) والرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني محمد هاشمي (شقيق رفسنجاني) وعضو "مجلس صيانة الدستور" سابقاً محمد إمامي كاشاني. وقد تم استبدالهم على الأرجح لأنهم لم يدينوا "حركة المعارضة الخضراء" أو يدعموا مواقف المرشد الأعلى على مدى السنوات الثلاث الماضية.
والأكثر إثارة للدهشة كان قيام خامنئي بإعادة تعيين عضوين بارزين في المجلس وهما حسن روحاني كبير المفاوضين النوويين سابقاً ورئيس "المجلس الأعلى للأمن القومي" وغلامرضا آقازاده الرئيس السابق لـ "منظمة الطاقة الذرية" الإيرانية. وكلاهما قريبان جداً من رفسنجاني ولم يحدث قط أن تكلم أحدهم صراحة ضد المعارضة أو دعم خامنئي جهاراً خلال فترة خدمته. وفي الواقع، كانت تربط آقازاده علاقات وثيقة بموسوي. ولذا فإن إعفاءهم ما كان ليدهش أي شخص أو تكون لهذه الخطوة تداعيات سياسية كبيرة. إن وجودهم المستمر في المجلس يعزز النظرية القائلة بأن خامنئي يستخدم التعيينات للحفاظ على خيار التسوية النووية في السياسة الخارجية. وفي الحقيقة فإن رفسنجاني وروحاني وآقازاده سيكونون محاورين ممتازين مع الغرب في حالة إجراء مفاوضات. كما أن مناصبهم في "مجلس تشخيص مصلحة النظام" تعني أنه يمكن أن تُسند إلى المجلس مهمة إنهاء الأزمة النووية وبالتالي السماح للمرشد الأعلى بتجنب المسؤولية عن التسويات الضرورية للوصول إلى مثل هذه الصفقة.
ومن الأشياء الدالة أيضاً قرار رفسنجاني نشر مقالة قصيرة في صحيفة "اعتماد" بعد يوم من إعادة تعيينه. وبعيداً عن أن تعكس تهميشه السياسي (حيث أن كبار المسؤولين الإيرانيين لا ينشرون في العادة مقالات رأي في الصحف، لكن من المفترض أنه لا يُسمح لرفسنجاني باستخدام تلفزيون أو إذاعة الدولة لبث مثل هذه الرسائل ولذا اضطر إلى اللجوء إلى الصحافة) حملت المقالة نبرة لافتة. وقد تركزت رسالته الرئيسية في أنه كان دائماً يتولى المسؤوليات الأكثر صعوبة في الحكومة سواء قبل ومنذ الثورة الإسلامية حيث كتب يقول "لا أريد أن أقلل من ارتباطي بالثورة.... وبقدر ما أستطيع وحتى نفَسي الأخير سأبذل قصارى جهدي لجعل الإسلام وإيران والثورة الإسلامية أعِزَّة." وتؤكد نبرته أنه يرى نفسه عنصراً لا غنى عنه لدى النظام حيث يستطيع خدمة مصالحه جيداً وخاصة في وقت الأزمات.
خامنئي ليس الرجل الذي يرضى بتسوية
في رسالتهما الأخيرة في عطلة عيد النوروز ركز كل من خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد على الاقتصاد طالبين من الهيئات الحكومية التركيز على الإنتاج الوطني وحث الناس على شراء المنتجات الإيرانية بدلاً من الأخرى الأجنبية. وليس لهذه التوصية معنى من الناحية الاقتصادية لأن الكثير من المصانع الإيرانية قد أغلقت في العام الماضي لعدم قدرتها على تحمل خفض الدعم أو دفع الرواتب للعاملين لديها. كما أن المنتجات الآتية من الصين والهند ودول أخرى قد هيمنت على السوق الإيرانية. بيد، إن تركيز خامنئي على مثل هذه القضايا إنما يكشف قلقه العميق من تداعيات العقوبات.
وفي الوقت ذاته يواصل المرشد الأعلى تكرار موقفه المتصلب بإنكار تأثير العقوبات على البرنامج النووي الإيراني والاقتصاد. وفي العادة يخرج خامنئي بتصريحاته الأكثر تشدداً عن السياسة المحلية أو الخارجية خلال رحلته السنوية إلى مدينة مشهد في عيد النوروز. وخلال الكلمة التي القاها في مشهد هذا العام صرح قائلاً "هؤلاء الذين يعتقدون أنه إذا تخلينا عن البرنامج النووي فإن عداء أمريكا (لنا) سينتهي إنما هم جاهلون بالحقيقة. إن مشكلة (أمريكا) هي ليست (البرنامج) النووي إذ إن هناك بعض الدول في المنطقة لديها أسلحة نووية و(الأمريكيون) لا يأبهون. وعليه فالمشكلة ليست الأسلحة النووية أو التقنية أو حقوق الإنسان بل هي الجمهورية الإسلامية التي تقف كالأسد ضدهم." وقد أكد أيضاً أن الموقف في الولايات المتحدة سيئ جداً لدرجة أنه حتى المواطنون العنصريون يشعرون بأنهم مضطرون للتصويت لرئيس أمريكي أفريقي لأنه وعد بالتغيير. "أمريكا في أزمة" كما قال "وليس لدينا أسلحة ذرية ولن ننتج أسلحة ذرية لكن إذا هاجمتنا أمريكا أو النظام الصهيوني فإننا سنهاجمهم بنفس المستوى دفاعاً عن أنفسنا."
ومن الواضح أنه لو كان هناك شخص ما في النظام الإيراني سيفتح علناً المفاوضات مع الغرب فلن يكون هو خامنئي. وحتى لو قرر المرشد الأعلى الوصول إلى تسوية في الأشهر المقبلة أو اضطر إلى ذلك بتأثير القادة المتنفذين في "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" فإنه سيكون بحاجة إلى أشخاص أمثال رفسنجاني وروحاني لدخول المعترك ليكونوا الوجه العلني المتصدر في مثل هذه العملية. فهذان الرجلان لديهما سمعة دبلوماسية أعلى موثوقية في الغرب أكثر من كبير المفاوضين النوويين الحالي سعيد جليلي أو غيره من المسؤولين القريبين من خامنئي.
0 comments:
إرسال تعليق