ولعلّ ما ساهم في دفع الأزمة قدماً الى العلن هو توزيع جدول اعمال مجلس الوزراء يوم السبت، اي قبل اربعة ايام من موعد الجلسة مقترناً بالتقرير الذي وضعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول ملف الكهرباء والذي أسقط فيه خياراً اتخذه مجلس الوزراء سابقاً واستند فيه الى موقف وزير الطاقة جبران باسيل باستئجار بواخر لتوليد الطاقة الكهربائية. واتخذ ميقاتي في هذا التقرير موقفاً شديد السلبية من المناقصة التي اجريت لاستئجار باخرتين لتوليد الكهرباء معدداً مخالفات عدة شابت عملية المناقصة ثم اقترح بناء معمل كهربائي بديل منها.
واذ شكل نشر التقرير في عطلة نهاية الاسبوع صفعة قوية لكل من وزيريْ الطاقة جبران باسيل والمال محمد الصفدي المتحمسيْن لخيار استئجار البواخر، انتظرت الاوساط السياسية موقفاً هدد عبره باسيل بما سمي «موقفاً مدوياً» سيعلنه مطلع الاسبوع الحالي ويُعتقد انه سيردّ عبره على تقرير ميقاتي بما يذهب بالمشكلة او بالازمة الناشئة القديمة - الجديدة نحو حافة الهاوية مجدداً لجهة إعادة إبراز الخلافات العميقة والمتواصلة بين ميقاتي وفريق العماد ميشال عون بعد هدنة لم تستمر اكثر من اسابيع عقب استقالة وزير العمل السابق شربل نحاس.
فهل تفضي الازمة الجديدة الى زعزعة الحكومة المثقلة بكمّ متصاعد من التراكمات ام يجري احتواؤها مسبقاً لمنع الانفجار الذي يبدو محتماً في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء؟
تعتقد مصادر وزارية وسياسية عدة ان الساعات الـ 48 المقبلة الفاصلة عن موعد الجلسة ستشهد محاولات لمنع الذهاب نحو تصعيد دراماتيكي للوضع يصبح معه صعباً العودة الى الوراء. ذلك انه رغم الخلاف المستحكم حول ملف الكهرباء، ليس هناك اي قرار جدي لدى اي فريق بفرط الحكومة او وضع نهاية متعجلة لها. ومع ذلك ليس متوقعاً ان يمر القطوع الجديد بسهولة وخصوصاً بعدما ظهر رئيس الحكومة في مظهر متفوّق على وزير الطاقة بما يمثّله من حيث تفنيد سلبيات خيار استئجار البواخر بكلفة عالية جداً من شأنها ان ترسم علامات شكوك معينة على عملية مناقصة استئجار البواخر، في حين يظهر ميقاتي في طرحه بناء معمل لتوليد الكهرباء انه يلجأ الى الخيار الاسلم الذي يكفل حلاً جذرياً بكلفة تكاد توازي نصف المبلغ وفي مدة سنة واحدة في مقابل خمس سنوات للبواخر وبكلفة مضاعفة.
وهذا الامر، تقول المصادر نفسها، لن يمر من دون صخب كبير وردود على ميقاتي من جانب باسيل وتكتله بل من المتوقع ايضا ردّ من العماد عون ربما يفوق ما اعتاد القيام به سابقاً من ردود مماثلة وخصوصاً ان المناخ العام في البلاد يفتح الباب واسعاً امام المزايدات السياسية نظراً الى كثافة غير طبيعية في توالد الملفات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية على انواعها والتي تجلت في الاونة الاخيرة بانفجار كارثة المواد الغذائية الفاسدة.
وتشير الاوساط عينها الى ان السؤال الذي تطرحه جهات عدة يتركز على ما اذا كان هناك من خلفية سياسية وراء اندفاع هذه الملفات وتسابُقها وخصوصاً في موضوع انفجار الخلاف مجدداً حول ملف الكهرباء. ذلك ان رئيس الحكومة لا يبدي اي تهاون في محاولة اسقاط خيار البواخر وإحلال خيار بديل عبر طرحه، ولو كلفه ذلك تجدد الازمة مع فريق العماد عون مع ما قد يعنيه ذلك من مواجهة عرقلة جديدة بأقل الاحوال لعمل الحكومة على غرار ما حصل قبل استقالة الوزير نحاس. اما تكتل عون فهو سيكون امام محاذير موقف جديد يتكبد فيه تبعة ظهور وزيره الابرز جبران باسيل مظهراً سلبياً حيال ما اورده تقرير رئيس الحكومة الذي يعتبر بمثابة ادانة لما قامت به وزارة الطاقة. ولذا يطرح السؤال عما اذا كان باسيل ومن خلفه تكتله (التغيير والاصلاح) سيمضي في مواجهةٍ ربح معظمها ميقاتي امام الرأي العام ام يذهب في اتجاه مفاجئ نحو فرط الحكومة؟ وماذا سيكون عليه تاليا موقف حلفاء العماد عون ولا سيما منهم «حزب الله» والرئيس نبيه بري من هذا التطور؟
ومع ان الاوساط الوزارية والسياسية لا تزال ترجح عدم الوصول الى حافة فرط الحكومة، فانها بدت شديدة الحذر والتوجس مما قد تحمله الساعات المقبلة ما يرسم علامات استفهام جدية حول خروج ملف الكهرباء من اطاره التقني الصرف الى الاطار السياسي الخفي الذي لا بد من انتظار الايام الثلاثة المقبلة لتبين حقيقته وحجم تحكمه بالازمة الجديدة.
0 comments:
إرسال تعليق