وفي هذا السياق، أشارت صحيفة الـ "واشنطن بوست" إلى أن الثوار طالبوا بالتدخل العسكري منذ بدء الثورة السورية، ووجهوا نداءات إلى حكومات العالم لتسليحهم من أجل إكمال نضالهم لإسقاط النظام. لكنهم يعترفون للمرة الأولى بأن الثورة - على الأقل الجزء المسلح منها - تعثرت في مواجهة هجوم القوات الحكومية المنسق، الذي يهدف إلى سحق المعارضة نهائياً.
ويقول "أبو يزن" جندي منشق (26 عاماً) انضم إلى الثوار في الصيف: "يوماً بعد يوم، يستمر الجيش السوري الحر بالقتال. ولكن يوماً بعد يوم، تنفذ ذخيرتنا. وفي نهاية المطاف، لا يعود امامنا خيار سوى بمغادرة منطقتنا"، واضطر أبو يزن للفرار إلى تركيا هذا الشهر مع خمسة من زملائه بعد أن نفذت ذخيرتهم أثناء القتال في إدلب.
ومنذ الهزيمة التي منيّ بها مقاتلو الجيش السوري الحر في حي بابا عمرو في حمص قبل ثلاثة أسابيع، اضطر الثوار إلى الهروب من منطقة إلى أخرى داخل البلاد، ونفذوا انسحابات من إدلب وديرالزور.
ومن جهته، قال المتحدث بإسم الجيش السوري الحر، أيهم الكردي، إن الانسحاب من بابا عمرو تم بجزء منه على خلفية إدراك المجموعة بالجهود المبذولة للسيطرة من قبل الثوار الذين لا يملكون ما يكفي من الإمدادات العسكرية لمقاومة القوات الأمنية.
وأضاف: "خاض المقاتلون في بابا عمرو معركة جيدة، لكنها تسببت بدمار كبير، ومات الكثير من المدنيين. نحن الآن نضع الاستراتيجيات للتأكد من أننا لا نرتكب الخطأ نفسه مرة أخرى".
وأشار إلى أن المقاتلين ينسحبون الآن مع ظهور العلامة الأولى على أن الحكومة تستعد لشن هجوم جديد، وذلك بهدف تجنيب المدنيين الضرر والحفاظ على الموارد. ويخططون بدلاً من ذلك على اعتماد تكتيكات حرب العصابات، مثل زرع المتفجرات على جوانب الطرق وتنفيذ الكمائن.
لكن الـ "واشنطن بوست" اعتبرت أن حتى هذه الجهود تواجه صعوبات، لأنها تتطلب توفير الذخيرة التي بدأت تنضب. ففي أجزاء كثيرة من ادلب، التي اعتبرت كمنطقة آمنة محمية دولياً للمتمردين والمدنيين، اضطر المقاتلون لتعليق العمليات العسكرية والفرار.
"ابو مصطفى" (35 عاماً) أحد المقاتلين الذين هربوا مؤخراً إلى أنطاكيا، وهو رقيب اول من بلدة ادلب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأنه يخشى على سلامة عائلته يقول:" إن الرحلة عبر الحدود كانت محفوفة بالمخاطر، بعد أن نفذت ذخيرة وحدته القتالية التي تضم بضع عشرات من الرجال، خلال هجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري الاسبوع الماضي".
واثناء انسحابهم نحو مخبأ جبلي، قال أبو مصطفى، إنه انهار من الجوع واحتاج إلى مساعدة رفاقه ليصل إلى منطقة الأمان.
وأضاف: "لم نتناول أي طعام منذ الصباح، وكان الوقت متأخراً بعد ظهر ذلك اليوم. لم يكن لدي قوة حتى على المشي"، وفي اليوم الثاني اتجه إلى تركيا لطلب المال والمساعدة من الجيش السوري الحر.
"جئت لأقول لهم ان الذخيرة بدأت بالنفاذ ونحن بحاجة إلى دعم سريع. بدون ذخيرة، كل واحد منا يواجه الموت".
أبواب السوق السوداء تضيق
ويقول المقاتلون إنه قبل بضعة أشهر، ومع تسارع عسكرة الثورة، كان من الممكن شراء الأسلحة من السوق السوداء في الأردن، لبنان، وبكميات صغيرة، من تركيا. لكن تلك الحكومات شددت المراقبة على الحدود، بما في ذلك تعزيزات من الجنود وقوات الشرطة لحراسة طرق التهريب المحتملة، ما أدى إلى خنق امدادات الاسلحة.
ويبقى العراق، حيث القيود المفروضة على الحدود رخوة نسبياً، المصدر الوحيد لشراء الأسلحة في السوق السوداء، وفقاً للمقاتلين السوريين. لكن معظم الأسلحة تأتي من المخزونات المدفونة من مخلفات عهد الرئيس السابق صدام حسين، ونوعيتها رديئة للغاية.
واتخذت السلطات السورية أيضاً خطوات للضغط على الثوار لمنعهم من الحصول على الأسلحة، فوضعت الألغام الأرضية على طول الحدود مع تركيا ولبنان والأردن، وعملت على احباط التواص بين أكبر مورد للدعم: الجيش السوري نفسه.
ويقول أبو مصطفى ان المصدر الرئيسي للذخيرة بالنسبة له، كان قائد دبابة متعاطف في الجيش النظامي، الذي عمد على تسريب صناديق من الرصاص كل بضعة أيام للمقاتلين. وفي الشهر الماضي، أدرك قائد الدبابة أنه كان في دائرة الشبهة، فما كان أمامه سوى الفرار والانضمام الى الانتفاضة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال من الممكن شراء ذخيرة من الأفراد الفاسدين في قوات الأمن السورية والميليشيات الموالية للحكومة والمعروفة باسم "الشبيحة"، كما يقول الثوار. لكن حتى أسعار هذه الأسلحة ارتفعت، فبات ثمن رشاشات الكلاشينكوف 2000 $ للقطعة الواحدة، وثمن الرصاصة الواحدة 8 دولارات، بعد أن كان دولارين فقط في الأشهر الماضية.
والحصول على المال أسهل بكثير من الحصول على السلاح، فيواصل السوريون في المنفى ارسال الأموال الى المعارضة وقيادة الجيش السوري الحر، التي تتمركز تحت حراسة تركية وثيقة في معسكر خاص خارج أنطاكيا.
لكن الجيش السوري الحر بدوره لا يستطيع تقديم الأسلحة للثوار، كما يقول الكردي الذي اشار إلى أن "المقاتلين يأتون للقيادة بهدف الحصول على الأسلحة، لكننا لا نملك السلاح. نحن نبذل قصارى جهدنا لمساعدتهم بالمال حتى يتمكنوا من محاولة شراء الأسلحة من الداخل".
وقال الكردي: "لكن الوعود بتقديم الدعم المالي لم تتحقق. وحتى لو نفذوا وعودهم، لن يكون للمال أي معنى، نظراً للنقص في الإمدادات العسكرية".
0 comments:
إرسال تعليق