إن الكثير من المناصب الرسمية سواء أكانت تلك الصلاحيات غير محدودة لمرشد الثورة أو القائد بحسب الدستور (الخميني المؤسس وخليفته خامنئي) أو رئيس الدولة، فإنها تعتبر حكراً تاماً على معتقني المذهب الشيعي وفقاً للدستور الإيراني الذي أُقرّ بعد استفتاء العام 1979 والتعديل إثر استفتاءٍ آخر العام 1989.
ينطبق وصف الدولة الدينية كما هو متعارف عليه في القرون الوسطى الأوروبية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم، فهي أشبه بالأوليغارشية التي يسيطر عليها رجال الدين والذين يؤمنون أنه من خلالهم وعن طريقم يتم تنفيذ إرادة الله ـ عز وجل ـ دون وضع أية مسافة أو احتمال للخطأ البشري في تنفيذ هذه الإرادة.
إن أساس الدولة الدينية في إيران ينبع من الدستور، فالمادة الرابعة منه تنص صراحة على أن "الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والقرارات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها، هذه المادة نافذة على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى إطلاقاً وعموماً. ويتولى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور تشخيص ذلك".
فالفقهاء هنا منوط بهم وضع الدستور وتفسيره والسهر على تطبيقه عبر مجلس صيانة الدستور، هذا الجهاز غير المنتخب والذي يعمل تحت إمرة القائد أو المرشد الأعلى مباشرة.
يمكن القول بعد ذلك إن الحقوق السياسية والمدنية كما تقرّها المواثيق المنصوص عليها في المعاهدت الدولية، وخصوصاً العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، في العام 1969 ليست مضمونة أبداً للمواطنين الإيرانيين بمجملهم، وأظهرت ذلك التجربة، وخاصة الانتخابات الأخيرة وما شابها من تزوير وانتقاص لهذه الحقوق لعموم المواطنين.
وبالتالي من الأحرى أن يكون أبناء الأقليات عرضة للانتقاص من حقوقهم سيما حريتهم الدينية التي تتعارض تماماً مع التوجهات السياسية للجمهورية الإسلامية. فكما قلنا، تعتبر إيران فريدة لجهة تبنّي مذهب رسمي في دستورها، إذ تنص المادة المادة الثانية عشرة على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير".
وعلى الرغم من أن المادة تضيف بأن "المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضمّ المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية)، وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم، وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية، فان الأحكام المحلية لتلك المنطقة - في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية- تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى. "فإن الممارسة السياسية بدت مختلفة تماماً عن ذلك.
فكما تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان وتقارير إعلامية فإن أتباع المذهب السنّي مُنعوا من بناء المساجد وفقاً لطريقتهم، حيث لا يوجد مسجد سنّي في المدن الكبرى التي يمثّل الشيعة فيها الأغلبية، مثل أصفهان وشيراز ويزد، وكذلك في العاصمة طهران التي يوجد فيها أكثر من مليون سنّي.
وتتّهم الأقلية السُّنّية أيضاً السلطات الإيرانية بعدم منحهم تمثيلاً في البرلمان يتناسب مع حجمهم الحقيقي، إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 12 نائباً فقط من 14 إلى 19 مليون نسمة، في حين يمثّل الشيعة في البرلمان نائب عن 200 ألف نسمة تقريباً، وهناك اعتقاد كبير لديهم بأن الحكومة تعمل على إنجاح العناصر السنّية الموالية لها وليس المعبّرة عن مطالب السُّنّة.
كما أن عدداً من المواقع السياسية نص الدستور فيها واضح على حصرها بيد أبناء المذهب الشيعي، فينص الدستور أن على أن القائد يجب أن يكون شيعي المذهب، ورئيس الجمهورية وفقاً للمادة المادة الخامسة عشرة بعد المائة، التي تنص على أن: "ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية:
• أن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية.
• قديراً في مجالس الإدارة والتدبير.
• ذا ماض جيد.
• تتوفر فيه الأمانة والتقوى.
• مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد".
كما أن المادة المادة الحادية والعشرين بعد المائة والتي تنص على قسم رئيس الجمهورية، فإنه ينص على أنه عليه أن يكون "حامياً للمذهب الرسمي، ولنظام الجمهورية الإسلامية، وللدستور...".
وكذلك لا يحق لأبناء الأقليات الدينية تبوّأ مناصب عليا في الجيش أو القضاء وفقاً للمواد 144 و162، وإن لم تنصّ على ذلك صراحةً.
يبلغ عدد ممثلي الأقلية السُّنّية الآن نحو عشرين ممثّلاً من مجموع 280 ممثلاً في مجلس الشورى الإيراني، وكان الرئيس السابق محمد خاتمي قد شكّل لجنة لمتابعة شؤونهم مؤلّفة من ابن شقيقة الرئيس خاتمي والذي كان مديراً للمخابرات قبل ذلك في أحد الأقاليم ذات الأغلبية السنّية، واثنين من المسلمين السُّنّة.
وقد أصدرت جماعة "الدعوة والإصلاح" السُّنّية في إيران بيانها السياسي الأول، في 30 مايو 2005، طالبت فيه الحكومة الإيرانية بتطبيق العدالة، ورفع جميع أشكال التمييز المذهبي والقومي، التي تمارَس ضد أهل السُّنّة. وحمل البيان، الذي جاء عشية بدء الحملة الانتخابية لمرشحي الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية، التي فاز بها أحمدي نجاد، عشر نقاط طالبت فيها بتطبيق البنود المعطلة من الدستور الإيراني، ورفع جميع الممارسات والسياسات التمييزية.
وطالبت الجماعة في بيانها:
1- تحقيق مطالب عامة الشعب الإيراني، ووحدة التضامن الوطني لا تتحقق إلا بمشاركة الجميع.
2- إجراء حوار متساوٍ وعادل بين الأقوام والمذاهب في البلاد، وذلك بعد رفع الإجراءات التمييزية وتطبيق البنود المعطلة من الدستور.
3- تنفيذ المادة 12 من الدستور، والتي تنص على أنه في كل منطقة يتمتع أتباع أحد المذاهب بالأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى وعدم التدخل في شؤونهم المذهبية.
4- حماية الهوية القومية واحترام ومراعاة الأقليات، وتنفيذ المادة 15 من الدستور التي تنص على وجوب تدريس لغات تلك القومية في مختلف المراحل التعليمية.
5- عدم حرمان أهل السُّنّة من استلام الحقائب الوزارية، طالما منع الدستور المسلم السنّي من الوصول لمنصب رئيس الجمهورية.
6- إعمال التنمية والتوسعة الثقافية في مناطق أهل السُّنّة، ومنح التراخيص لإصدار النشرات، ورفع الرقابة عن الكتب الخاصة بهم.
7- تفويض شؤون الأوقاف السُّنّية وإدارة سائر الأمور الدينية، ومنها على الأعم انتخاب أئمة الجمعة والجماعة وإدارة المدارس الدينية وإقامة الأعياد لأهل السُّنّة أنفسهم.
8- التنمية الاقتصادية لمناطق أهل السُّنّة، بإقامة البنى التحتية وبناء المؤسسات الصناعية، واستخراج الثروات الطبيعية، وإيجاد فرص عمل من أجل القضاء على معضلة البطالة وتعيين ميزانية خاصة لتلك المناطق.
9- الاستفادة من طاقات أهل السُّنّة في المناصب الإدارية في الوزارات والسفارات وحكام الأقاليم والمحافظات والمراكز العلمية والثقافية والجامعات، وذلك بهدف تطبيق العدالة في توزيع المناصب الإدارية.
10- إعادة النظر في محتوى الكتب والتعاليم الدينية والاهتمام بأصول عقيدة أهل السُّنّة والجماعة.
0 comments:
إرسال تعليق