يسأل مرجع كبير غير مدني، لماذا لا تبادر الحكومة الى اتخاذ قرار سياسي بإقفال "معهد البخاري" وسواه حتى تتحرك القوى العسكرية والامنية لتنفيذه نظراً لما تشكّله مثل هذه المعاهد من خطر امني حقيقي؟
يُعدّ "معهد البخاري" المتخصص في تدريس الشريعة الاسلامية من المعاهد الدينية الأكثر اثارة على الاطلاق، نظراً لفكره المتشدّد للغاية ودعوته الدائمة للجهاد الاسلامي بوَجه "الكفّار ومَن يحميهم"، والذي يطال عمليّاً كل شرائح المجتمع، كما لم يَتوان المشرفون عليه عن تكفير الدولة اللبنانية ومَن يتعامل معها، بمَن فيهم ضبّاط الجيش وجنوده وعناصره، بالإضافة الى القوى الامنية.
حكاية المعهد "توعية جديدة" مع الفكر الجامد "المتزَمّت" لحدود قصوى منذ تأسيسه في نهاية تسعينيات القرن الماضي في منطقة وادي الجاموس - عكار.
وهناك اهمية رمزية لانتقاء هذه المنطقة في تشييد هذا المعهد، مفادها ان المكان (وادي الجاموس) معزول نسبيّا، وهو بمثابة منطقة نائية للغاية في عكار. وقد استخدمه "المجلس الثوري الفلسطيني" كمخيمات تدريب بعيداً عن نظر "منظمة التحرير الفلسطينية" في مخيم نهر البارد.
ووفق عدة معلومات، فإنّ المعهد المذكور تم تشييده بأموال سلفية خارجية، وبتشجيع مخابراتي سوري، حيث يحرص عدد من السلفيين على تحويل "زكاتهم" (وهي فريضة أساسية من فرائض الاسلام الخمسة) لدعم حركات الجهاد الاسلامي في العالم، وتحديدا في المناطق الملتهبة. وقد حصل شيخ سلفي من آل السيّور على الضوء الاخضر لتشييد معهد شرعي متشدد يضمّ طلاباً صغاراً لتربيتهم على النهج التكفيري.
ومنذ ذلك الحين شاعَ صيته في لبنان كما في الخارج.
طلّاب تحت السيطرة
تعتبر اوساط اسلامية ان أهمية معهد البخاري نابعة من كونه يضم اكثر من 500 طالب شريعة تتراوح أعمارهم بين 14 و20 سنة، اي في المرحلة الخطرة لتكَوّن وَعيهم السياسي، ويضمّ قسما داخلياً، الامر الذي يعني أنّ طلّابه تحت سيطرة ادارة المعهد وإشرافهم التام. ويأتي طلابه من مناطق فقيرة في عكار والضنية وطرابلس وغيرها.
ويتمتع المعهد بتمويل خارجي وآخر نسبي بعيداً عن الأعين، كون جهة التمويل هي من العناصر المتطرفة التي تنظر الى الاسلام وكأنه ساحة جهاد عالمية. وهو بنظر عدد من المشايخ أقوى المعاهد الاسلامية السلفية، ليس في لبنان فحسب بل في ارجاء العالم العربي، وله شهرة واسعة في الخليج العربي كونه المعهد المتشدد الذي لا يحيد عن الشريعة الاسلامية، ويعتمد في مناهجه التعليمية على نشر الافكار التكفيرية.
فتاوى تكفير
وهناك صعوبة في الوصول الى مركز المعهد او الاطلاع على طبيعة عمله، عِلماً انّ الشخصيات الاسلامية التي زارت المعهد المذكور أفادَت "الجمهورية" بأنّ المعهد يدرّس الشريعة وفق منهاج سلفي متشدّد خاص ومختلف تماما عن منهاج دار الفتوى والجمعيات الاسلامية المتنوعة في لبنان وأوّلها:
- تكفير ضبّاط الجيش وعناصره بالإضافة الى الاجهزة الامنية.
- عدم جواز تقاضي أي اموال من الدولة كونها أموال حرام.
- فتاوى تكفيرية متعددة بحق القضاة والمهندسين والاطباء وغيرهم، كونهم لا ينتهجون الشريعة الاسلامية في عملهم.
وهناك مَن يروي طرائف عديدة، منها فتوى تُجيز للعناصر السلفية التابعة لمعهد البخاري التقاط صوَر لجواز السفر او الهوية والأوراق الثبوتية فقط للضرورة ولأغراض تخدم الشريعة الاسلامية، طالما ان التطوّر حرام بنظرهم على غرار ما تفرضه حركة طالبان في افغانستان مثلا.
منهاج يفرض عدم إطاعة الدولة
يشير احد المشايخ الى انّ كتب التدريس هي متشددة للغاية، ومصدرها فتاوى من مشايخ متطرّفين خارج لبنان، ولعل أخطرها على الإطلاق سلسلة كتب "والولاء والبراء في الاسلام"، وهو منهاج تكفيري يفرض عدم إطاعة الدولة وأجهزتها المخترقة التي لا تحكم بوَرع الله وشرعه، كما ان محاربتها بكلّ السبل واجب شرعي على كل مسلم ملتزم ولو بالقوة، وإلّا اعتبر كافرا بنظرهم، كما تفرض هذه السلسلة منهاج عدم إطاعة الحكم والقوانين الوطنية إلّا وفق الضرورات القصوى وانتهاج الشريعة الاسلامية في كل شيء.
تحريم وظائف الدولة ورواتبها
ومن اخطر الامور في هذا المنهاج التكفيري تحريم وظائف الدولة ومَن يتبعها ونَبذ رواتبها، حتى ولو كانت من اقرب المقرّبين الى المسلمين، فيمنع على الاب او الشقيق او الزوج التعاطي بهذه الاموال او قبضها او صرفها او الاعتياش منها، باعتبار هذه الاموال حرام ينبغي التخلّص منه بأيّ طريقة.
انفلاش معهد البخاري
انطلق هذا المعهد في عهد الوصاية السورية التي كان لها مصلحة في إطلاق مجموعات متطرفة لاستعمالها في عمليات أمنية في العراق وغيره من البلدان، واستخدامها ذريعة للتخويف من ظاهرتها والتطوّع في التصدي لها بحجة "مكافحة الارهاب والتطرف".
وذاع صيت هذا المعهد في العام 2000، عندما تبين ان اغلب المجموعات المتطرفة التي حاربت الجيش اللبناني في منطقة الضنية استندت الى فتاوى صادرة عن هذا المعهد، حتى ان اغلب المقاتلين كانوا طلّابا أو تابعين للمعهد المذكور، مثل قائد المجموعة المدعو بسام كنج (ابو عائشة) الذي سعى الى إقامة امارة اسلامية، والذي بايعه عناصره حتى الموت، وكذلك محمود عبدالله هزيم. وهما عنصران متطرّفان سقطا في المواجهات الدموية مع الجيش اللبناني، وكانا قد حصلا على فتوى تتعلق بجواز سرقة اموال الدولة او الجهات الكافرة لتغطية نفقات الجهاد وشراء الاسلحة وغيرها، وكانت من نتائجها قتل بائع ذهب في عكار من آل الحايك وسواها من العمليات.
الدولة وسياسة النأي بالنفس
وفق ما تقدم ونظراً لطبيعة النظام الطائفي في لبنان والقائم على تناقضات هائلة، يستمر معهد البخاري للشريعة الاسلامية بمنهاجه المتشدد القائم على تكفير الدولة ومن معها وسائر المذاهب الاسلامية، وفق أسلوب افغاني، قائم في عكار تحديدا، وهو بعيد عن الواقع وغريب عن البيئة الاسلامية المتسامحة. فيما السلطة تنأى بنفسها عن معالجة هذا الامر الخطير، بحيث تبدو الحسابات الطائفية طاغية عند البعض اكثر من المصلحة الوطنية العليا.
وتتساءل اوساط سياسية عن التوقيت الذي ستتحرك فيه الجهات الامنية المختصة لإقفال هذا المعهد بعد التحرّي عنه! اذ إنها حتى الساعة لم تبادر الى اتخاذ أي إجراءات ضرورية لدرء مخاطره!
والسؤال الاهم المطروح هل ستتحرك الجهات الامنية بعد هذا التقرير لإجراء عملية مسح شاملة، أم انّ "جيش البخاري" سيسبقها بعملية مَسح أشمَل؟ 
مرلين وهبة
0 comments:
إرسال تعليق